ربّ اجعل هذا البلد آمناً

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدعاء مُستَلهَم من سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء صلوات الله عليه، وعلى نبيّنا وأنبياء الله أجمعين، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، «تغريدة» جميلة على حسابه في «تويتر» أشاد فيها بالمنزلة العالية، التي حقّقتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الأمن المجتمعي، حين حصلت وبحسب تقرير جالوب للأمن والنظام للعام 2021م على المرتبة الأولى على مستوى العالم في تجوال السكان ليلاً بمفردهم، متفوقة بذلك على الكثير الكثير من الدول الكبرى، التي تشهد الكثير من مظاهر القلق الاجتماعي، التي تصل إلى حدّ الرعب وربما الجريمة، بسبب انعدام الأمن وشيوع كثير من الممارسات والأخلاقيات التي تُعكّر صفو الروح الإنسانية، وتكدّر مشاربَ القلب الذي يبحث عن السكينة والطمأنينة، فالحمد لله تعالى على هذه النعمة السابغة، التي تستوجب مزيداً من الشكر، ومزيداً من الجهد كي تبقى الإمارات الحبيبة واحة أمن وأمان، وربوع سَكينة وطمأنينة وسلام.

وإذا كان الشيء يُعرف بضدّه، فإنّ نظرة فاحصة لِما يدور في كثير من بلدان الأشقاء والأصدقاء ممّن حُرموا نعمة الأمن والأمان في أوطانهم تجعل القلب يأسى لما وصلت إليه حالهم، فنحن نتمنى لجميع أشقائنا وإخوتنا في العروبة والإسلام والإنسانية جمعاء أن تكون ديارهم هانئة بنعمة الأمن، وأن تنطلق قواهم في إعمار أوطانهم وبنائها، فهذه هي المعركة الكبرى بحسب عبارة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الذي يؤكد كثيراً على هذا المعنى الكبير في كثير من أحاديثه وكتاباته، فهو يعلم أن الطاقات إذا لم تنطلق في عمل الخير، فهي منطلقة في عمل الضدّ ولا بُدّ، والسعيد الموفّق هو من بذل جهده في إعمار بلاده، وحَرسها بعين المسؤولية والتقوى، ووقف في وجه كلّ ما يُنغّص طعم الحياة للناس الوادعين الباحثين بقلوبهم قبل أجسادهم عن لحظة أمنٍ وسكينة، ينام فيها الوالد قرير العين ناعم البال بين أطفاله بعد يوم من الكدّ والتعب في سبيل اللقمة الحلال.

هذا، ولقد امتنّ الله تعالى على عباده بنعمة الأمن، وجعلها نعمة تستوجب الشكر، تأكيداً منه سبحانه على جلالة قدر هذه النعمة، فقال مخاطباً أهل مكة من سكان الحرم الشريف: {أو لم نمكّن لهم حرماً آمناً يُجبى إليه ثمراتُ كل شيء رزقاً من لدنّا ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}، فجاءت الفاصلة القرآنية { ولكنّ أكثرهم لا يعلمون } لتشير إلى غفلة الناس عن نعمة الأمن، التي تستحق النظر المتبصر والقلب الشاكر، فواجبٌ على الإنسان أن يعرف قدر هذه النعمة، فيشكر ربه على تيسيرها ويطيعه فلا يستخدمها في معصيته، فالحمد لله حمداً كثيراً طيّباً على ما أنعم به على هذا البلد الطيب من هذه النعمة السابغة الوارفة.

ولم تغفل السنة الشريفة عن التنويه بنعمة الأمن وتذكير الإنسان بقدرها، فقد صحّ عن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه الترمذي في السنن أنه قال: (( مَنْ أصبح منكم آمناً في سِرْبِه، مُعافَى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزتْ له الدنيا ))، فنعمة الأمن نعمة جليلة لا يعرف قدرها إلا من اُبتلي بالخوف والقلق والتشرد، وكم يصدر في الإحصاءات العالمية من مظاهر العنف والقتل والجرائم الاجتماعية، ما يجعل الحياة محفوفة بكثير من مشاعر الحذر والخوف، وعدم القدرة على الشعور بالأمان، مما لا تكاد تسلم منه دولة من الدول على وجه هذه المعمورة.

وتنويهاً من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بهذه النعمة، وهذا الإنجاز الحضاري الفريد لدولة الإمارات كتب «تغريدة» فيّاضة بمشاعر الفخر والشكر والامتنان للمولى الجليل، الذي أسبغ النعمة على هذه البلاد منذ نشأتها المباركة وحتى يوم الناس هذا، وهذا هو دأب صاحب السموّ، فهو ضمير هذا الوطن وفارسه وشاعره، يحتفي بكل منجز من منجزاته، التي ترفع الرأس وتبثّ مشاعر الطمأنينة وتنشر ثقافة السلم الاجتماعي، وقد صيغت «التغريدة» بلغة هي مزيج من الشعر والنثر تعمّق في وجدان القارئ الإحساس بالفخر، وتدفعه نحو المزيد من العمل لوطنٍ يستحق المزيد من البذل والعطاء، فالإمارات بحسب عبارة صاحب السموّ المشهورة هي أولاً وثانياً وثالثاً ودائماً وأبداً.

«الإمارات الأولى عالمياً حسب تقرير جالوب للأمن والنظام 2021 في تجوال السكان ليلاً بمفردهم» ؛ بهذه العبارة المفعمة بروح الإشراق والفخر افتتح صاحب السموّ هذه «التغريدة» البديعة تعبيراً عن حفاوته بهذا المنجز التاريخي للوطن، ففي عصر يسود فيه القلق وتنتشر فيه مظاهر الخوف تحتلّ الإمارات هذه المنزلة الكبرى بين جميع الشعوب، محققة بذلك مستوى قياسياً في الأمن ولا سيما حين يكون مقياس الأمان خاضعاً لمعيار الليل والانفراد، حيث يكون ذلك الوضع هو الوضع المَخوف، الذي يحتاج إلى مزيد من الاحتياطات، لكنّ سياسة الدولة في نشر العدل، والحازمة في تجفيف منابع العنف، والناشرة لثقافة الأمان في ربوع الوطن؛ هي المسؤولة عن هذا المنجز المتفرد، فالخوف وحده لا يستطيع تحقيق هذا المستوى الرائع من الأمن والأمان، بل لا بدّ من جذر أخلاقي تستند إليه التعليمات والقوانين، والإمارات، بحمد الله، بلد عميق الجذر الأخلاقي في الحياة يستلهم ذلك من تعاليم دينه وتقاليد شعبه الحر الأصيل، فكانت هذه النتيجة ثمرة لأخلاقه الرصينة، ومكافأة له على حرصه على سمعة بلاده ومشاعر مواطنيه، الذين يستحقون كل خير وتقدير واحترام.

«الأمن نعمة، والأمان طمأنينة وسكينة وحياة»، بهذه المفردات الرائعة، التي اختارها صاحب السموّ بعناية فائقة وبإحساس شعري مرهف، عبر عن القيمة الكبرى لنعمة الأمن باعتباره موازياً للشعور بمعنى الحياة، ثم عقّب على ذلك وبنبرة مفعمة بالفخر فقال «إذا تجوّلت المرأة بمفردها في أيّ ساعة من ليل أو نهار دون خوف، فاعلم أنها في الإمارات»، لتكون هذه الصورة العفويّة هي خير تمثيل لوصول الأمان إلى ذروته العليا في بلادنا الطيبة، فالمرأة ومنذ قديم الزمان هي مظنة الخوف عليها، ولا سيما إذا سارت وحيدة في الليل، فجاءت هذه العبارة العذبة لكي تقلب الموازين، وتذكّرنا بالحديث النبوي الشريف الذي خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عديّ بن حاتم الطائي، رضي الله عنه قائلاً: ((لئن طالت بك حياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بمكة لا تخاف أحداً إلا الله)) وليس ذلك إلا بسبب انتشار الأمن الذي جاء به الإسلام، بعد أن أعاد بناء الإنسان الصالح، الذي يحترم الناس ويخشى ربه في أداء حقوقهم وفي طليعتها أمنهم وسكينتهم.

(ربّ اجعل هذا بلداً آمناً، آمين، وأدمْ عليه سكينته وطمأنينته)، ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة التي استلهمها صاحب السموّ من دعاء سيدنا إبراهيم، على نبيّنا وعليه الصلاة والسّلام، حين دعا لذرّيته من ساكني البيت الحرام في مكة بالأمن، فاستجاب الله دعاءه، فقد كان صلوات الله عليه وعلى نبيّنا الكريم يعرف قدر هذه النعمة وجلالها، وحين أعرضت قريش عن الاستجابة لداعي الهدى في بداية الدعوة، ذكّرهم المولى الجليل بسابق نعمه عليهم فخاطبهم بلسان التذكير، الذي يشبه العتاب قائلاً: {بسم الله الرّحمن الرحيم * لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا ربّ هذا البيت * الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف *} والحمد لله، الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

Email