في ذكرى وفاته.. علاقة طه حسين وعبد الناصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في 15 نوفمبر 1889 أي قبل مولد الزعيم جمال عبد الناصر بـ29 عاماً تقريباً ومات بعد رحيل ناصر بحوالي 3 سنوات، وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كان طه حسين قد بلغ من العمر 63 عاماً وناصر - قائد الثورة - 34 عاماً، لكنهما التقيا سريعاً وربطت بينهما روابط نفسية واجتماعية وأحلام وشعارات أطلقها حسين وآمن بها ناصر وجاهد لتنفيذها.

طه حسين الذي يمر على ذكرى وفاته 49 عاماً – رحل في 28 أكتوبر 73- هو ابن بيئة فقيرة في الصعيد عانت كما عانى باقي الصعيد من رباعية الجوع والفقر والمرض والجهل. بيئة متشابهة تماماً في كل شيء سواء كانت في قرية الكيلو مركز مغاغة بمحافظة المنيا (مولد طه حسين) أو قرية بني مر بمحافظة أسيوط مسقط رأس عبد الناصر.

حارب حسين بأفكاره وكتبه مظاهر التخلف والجهل والماضي الذي أعاق مصر عن التنوير والتقدم والمدنية، وناصر قاد ثورة للنهضة والتنمية والعلم والحضارة. التعليم كان قضية الرجلين فنادى الأول بالتعليم كالماء والهواء والثاني قرر مجانية التعليم في كل مراحله من الابتدائية حتى الجامعة.

لم يخف طه حسين تأييده لثورة يوليو منذ الساعة الأولى وربما يكون هو أول من أطلق عليها «الثورة»، ودعم قراراتها التي جاءت إلى جانب الشعب ووضعت حداً لمعاناته من العهد الملكي، وعبر عن ذلك في عدة مقالات وافتتح إحداها بقوله «أحب أن تكون ثورتنا حية، وأن تكون ثائرة، وأن يصبح المصريون في جديد من أمرهم كلما أشرقت عليهم الشمس وأن يمسي المصريون في جديد من أمرهم كلما أقبل عليهم الليل».

كان طه حسين من المؤيدين بقوة، لطرد الملك فاروق خارج البلاد وقانون الإصلاح الزراعي وتأميم قناة السويس وجلاء القوات الإنجليزية عن أرض مصر، لأن ذلك يجعل المصريين يحسون «بأن الأمر أمرنا وبأن نحكم أنفسنا لا يحكمنا فرد مسلط ولا تتدخل في حكمنا قوة أجنبية».

وعندما تعرض ناصر لمحاولة اغتيال من قبل عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين في حادثة المنشية عام 45 في الإسكندرية، كتب طه حسين مقالاً أدان فيه الجريمة وأشاد بحسن تصرف عبد الناصر، وهاجم الإخوان.

اعتز بالثورة وبدورها العالمي لأن «ثورتنا كانت مقدمة لاستقلال شعوب مختلفة كانت خاضعة لسلطان الاستعمار الخارجي ولسلطان الاستبداد الداخلي أحياناً». أيد توجه القومية العربية ورأى في الوحدة العربية هدفاً قومياً ينبغي أن يقوم على أسس سليمة.

يلاحظ أن طه حسين ومنذ مقالاته الأولى في عهد الثورة، كان يوجه مقالاته المباشرة عندما يخاطب المسؤولين، إلى جمال عبد الناصر الذي تولى منصب رئيس الوزراء، وربما ذلك جاء نتيجة حصافته وذكائه، الذي استشعر بواسطتهما أهمية عبد الناصر ودوره المركزي في الثورة، فلم يوجه خطاباته إلى الرئيس المؤقت محمد نجيب بل إلى عبد الناصر القائد الفعلي للثورة، وهو آمن بسعة صدر عبد الناصر واستماعه إلى النقد حيث يتوجب النقد، على عكس ما يشيعه أعداء عبد الناصر أنه كان ديكتاتوراً وقامعاً لحرية الكلمة.

البعض حاول الوقيعة بين طه حسين وعبد الناصر بسبب انتقاد عميد الأدب العربي لما جاء في الميثاق فقد انتقد مسألة نشاط المثقفين ومهمة الجامعات وعدم قدرة الدولة على تحمل أعباء العلم للعلم، «وقد وقفت عند هذه الجملة لأني أعتقد أن العلم لعلم تبعة نستطيع أن نحتملها في هذا الطور من أطوار حياتنا».

لم يتعرض طه حسين لأي مساءلة من نظام عبد الناصر بل نال كل التقدير والتكريم والاهتمام، ففي عام 1958 حين فاز عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بجائزة الدولة التقديرية، وأقيم حفل كبير حضره الرئيس جمال عبد الناصر الذي سلم الدكتور طه حسين الجائزة، ومنحه عبد الناصر أيضاً قلادة النيل أعلى أوسمة الدولة عام 65 وقدمها له في بيته، حيث كان العميد يعاني من المرض.

علاقته بعبد الناصر قال عنها: «إنه كان على اتصال دائم معه، وكانت بينهما مودة في غاية الرخاء، وناصر له محل فضل عليه لا ينساه، فقد أهداه قلادة النيل التي كانت تُهدى فقط للملوك والرؤساء».

وأوضح طه حسين أيضاً أنه كلما أرسل لعبد الناصر برقية أو تحية أو تهنئة إلا وقد رد عليه بخير منها، فقد كان صديقاً وأخاً حميماً له، وكان عطوفاً على المواطنين وهذه كلها أخلاق ما عرفناها في الذين ينهضون بالحكم.

وعند وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 70 رثاه طه حسين بكلمات مؤثرة قال فيها:

«أبداً لم تلهث الكلمة وتترنح في مواجهة موقف ما، مثلما حدث لها حينما صك أسماعها نبأ وفاة جمال عبد الناصر!».

*مدير تحرير «اليوم السابع»

 

Email