اليابان تبدأ عهداً جديداً بزعامة كيشيدا

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الرابع من أكتوبر المنصرم، وهو تاريخ ترك يوشيهيدي سوغا منصبه رئيساً لوزراء اليابان لزميله في الحزب الليبرالي الحر الحاكم، فوميو كيشيدا، نسي اليابانيون أحاديثهم عن جائحة كورونا والأمن والدفاع والاقتصاد والموقف من الصين وتايوان وكوريا الجنوبية والتحالف مع الولايات المتحدة.

وراحوا يركزون على سؤالين؛ هل سيكرر الحزب الحاكم عادته في الفوز في انتخابات مجلس النواب نهاية الشهر؟ وهل إذا فاز سيحتفظ بعدد مقاعده نفسه أم سيخسر بعضها؟ ورغم هذا الاهتمام لم يخرج للتصويت سوى 56% ممن يحق لهم المشاركة، فعدت العملية ثالث أسوأ انتخابات لجهة المشاركة الشعبية منذ الحرب العالمية الثانية.

تزامن السؤالان السابقان مع استطلاعات الرأي التي أكد معظمها أن الحزب الحاكم ــ مع حليفه «حزب كوميتو» البوذي ــ سيحقق الفوز، ولكن مع خسارته بعض المقاعد التي كسبها في آخر انتخابات تشريعية عام 2017.

وكان هناك، بالطبع، من شكك في هذه الاستطلاعات بالقول إن الحزب الحاكم لن يصمد هذه المرة لسببين، أولهما أنه سيواجه أمراً غير مسبوق وهو تحالف وتكتل خمسة أحزاب معارضة، بمعنى أنه لن يستفيد كما جرت العادة من معارضة ضعيفة ومفككة.

وثانيهما أنه فقد الكثير من شعبيته بسبب سوء طريقة إدارته ملفي كورونا ودورة الألعاب الأولمبية إبان زعامة «يوشيهيدي سوغا» التي لم تدم سوى عام واحد انحدرت فيه شعبيته إلى أدنى مستوى في تاريخ الزعامات اليابانية.

ما حصل بعد إعلان نتائج انتخابات يوم 31 أكتوبر الماضي، أن بعض استطلاعات الرأي لم تكن دقيقة. إذ، على الرغم من صعوبة الانتخابات باعتراف «كيشيدا»، إلا أن الأخير قاد حزبه وحليفه الصغير للفوز بأغلبية مريحة تمكنه من حكم اليابان من دون صداع في السنوات الأربع المقبلة، وإنْ كان الفوز ليس ساحقاً وأقل من الانتخابات النيابية السابقة، فعدد مقاعده النيابية يسمح له بالسيطرة على رئاسة كل اللجان البرلمانية، وبالتالي تمرير ما يشاء من تشريعات.

في التفاصيل فاز الحزب الحاكم وشريكه «كوميتو» بـ293 من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 465 مقعداً، بينما كانا يسيطران معاً على 305 مقاعد في المجلس السابق، فخسر الحزب الحاكم وحده 15 مقعداً دفعة واحدة.

الأمر الذي مثل إنذاراً للأخير، كون النتيجة أضعف أداء له منذ عودته إلى السلطة عام 2012، إذ كان الحزب بمفرده يسيطر على 60% على الأقل من مجلس النواب. وبالمثل تقريباً، خسرت المعارضة 13 من مقاعدها وصارت لا تحتكم إلا على 96 مقعداً.

وكدليل على ثقة المجتمع الدولي بحسن إدارة الحزب الليبرالي الحر لثاني اقتصادات العالم، وخبرته الطويلة في التغلب على الأزمات كونه حكم البلاد منذ تأسيسه عام 1955 من دون انقطاع إلا فترتين قصيرتين حينما سادت أحزاب المعارضة ذات الميول اليسارية (الأولى ما بين عامي 1993 و1994، والثانية ما بين 2009 و2012) ارتفع مؤشر «نيكاي» بأكثر من 2% بعد ظهور نتيجة الانتخابات.

فالنتيجة، بالنسبة لأسواق المال والأعمال، تعني أن العهد الجديد في اليابان سوف يقدم على خطوات سريعة في ما يتعلق بتحفيز الاقتصاد على خلفية وباء كورونا، وزيادة الإنفاق في المجال الدفاعي على خلفية تهديدات كوريا الشمالية، وتعزيز العملاق الصيني قدراته العسكرية في مياه بحري الصين الجنوبي والشرقي.

هذا علماً بأن كيشيدا كان ينظر إليه في أروقة الحزب الحاكم سياسياً ضعيفاً نسبياً في ما خص قضايا الدفاع والأمن، ولكنه تحول قبل مدة إلى النقيض وأقنع الناخب الياباني في حملته الانتخابية بأنه صاحب مواقف مؤيدة لتعزيز قدرات جيش الدفاع الياباني، وسياسات صارمة ضد الصين، وأجندة داعمة لبقاء التحالف الياباني ــ الأمريكي.

وقد تجلى ذلك أولاً في اقتفائه أثر زعيم البلاد الأسبق «شينزو أبي» لجهة الدعوة إلى مراجعة بنود الدستور التي تكبل يد الجيش الياباني، وتجلى ثانياً في تعيينه وزيراً مختصاً بشؤون الأمن الاقتصادي بهدف تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية، ومعالجة سرقة الملكية الفكرية، وإدارة التهديد المزعوم من استثمارات الصين في اليابان، وتجلى ثالثاً في الاستجابة لقيادات حزبه والأوساط الشعبية في ما يتعلق بدعم حكومة تايبيه.

الأمر المزعج لزعيم اليابان المنتصر، لا يكمن في المعارضة المؤكدة لأجندته من قبل «الحزب الدستوري الديمقراطي» المعارض وحلفائه من الشيوعيين، وإنما يكمن في المقاومة المؤكدة التي ستواجهه من قبل البيروقراطية اليابانية المنيعة صاحبة الأدوات الهائلة في صنع السياسات، والتي قد تلجأ إلى إبطاء أو تخريب جهود الإدارة الجديدة.

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

 

Email