المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر سلامة جسد الإنسان من أهم الحقوق التي نادت بها الشرائع السماوية وتبعها بذلك القوانين الوضعية من خلال النص في دساتيرها على عدم جواز المساس بجسد الإنسان أو الاعتداء عليه تحت أي مبرر، كما زادت مخاطر الطب الحديث في السنوات الأخيرة نتيجة للممارسات الطبية الحديثة التي تعتمد على علاجات وأجهزة شديدة التعقيد والحساسية، الأمر الذي ترتب عليه زيادة في المخاطر وقيام مسؤولية الطبيب.

ومن التزامات الطبيب اتباع القواعد الخاصة بممارسة المهنة ومجال تخصصه واستخدام وسائل التشخيص اللازمة لحالة المريض فضلاً عن اختيار الأدوات والأجهزة الطبية اللازمة لمعالجته وتبصيره بخيارات العلاج وطريقة استعماله وإبلاغه بطبيعة مرضه ودرجة الخطورة إذا اقتضى الأمر ذلك، وبالتالي فإن عقد العلاج يلزم الطبيب في الأصل أن يبذل في ممارسته لمهنته جهداً لتخفيف ألم مريضه ليصل إلـى الشـفاء وبالتالي تبرأ ذمته بمجرد أن يبذل العناية المطلوبة لو لم يحقق نتيجة الشـفاء، فالشفاء يتوقف على عدة عوامل واعتبارات لا تخضع دائماً لسيطرة الطبيب كمناعة الجسم، والوراثة، وحدود الفنون الطبية التي قد لا تكفي لعلاج المريض، فالطبيب يبذل قصارى جهده بما أوتي من علم ومعرفة تجاه المريض ولكنه لا يلتزم بأية نتيجة مهما كانت أثناء معالجته للمريض، وعليه فإن مراعاة القواعد الطبية المعترف بها علمياً من الشروط الواجب توافرها لإضفاء المشروعية على عمل الطبيب.

إذا لم يقم الطبيب بعمله على الوجه الأكمل ولم تتحقق النتيجة المرجوة من العلاج ترتبت المسؤولية على عاتقه نتيجة لذلك وتتنوع المسؤولية ما بين عقدية وتقصيرية، فإن كان الأصل هو التزام الطبيب ببذل عناية إلا أنه يمكن أن تكون هناك حالات استثنائية يقع فيها على عاتق الطبيب التزام بتحقيق نتيجة وذلك إما لشرط في العقد أو طبيعة الخدمة التي يقدمها الطبيب للمريض، وهو ما يطبق عليها المسؤولية العقدية والتي تقوم على أساس الإخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه من التزامات، أي يكون مصدر إخلال الطبيب هو الاتفاق أو العقد بينه وبين المريض ويشترط لقيام تلك المسؤولية توافر عقد بين الطبيب والمريض وأن يكون ذلك العقد صحيحاً فضلاً على أن يكون الخطأ نتيجة لعدم التزام الطبيب بالعقد.

أما إذا كان إخلال الطبيب ليس أساسه العقد أو الاتفاق بل كان سببه الإخلال بالتزام مصدره القانون أو التعليمات في المستشفى التي يعمل فيها فهنا تكون المسؤولية تقصيرية لأنها ناشئة عن التزام مصدره نص القانون أو التعليمات، حيث إن المسؤولية التقصيرية تنشأ نتيجة خطأ ارتكبه شخص مسبباً ضرراً للآخر لا تربطه به علاقة عقدية.

ويظهر الخطأ الطبي كثيراً في عمليات التجميل التي أصبحت هوساً اجتماعياً لدى غالبية السيدات والرجال على حد سواء، قبل أن تكون ضرورة لعلاج عيب أو تشوه خلقي، ولا تمنع الجنسين من اللجوء لعمليات التجميل تكاليفها الباهظة في كثير من الأحيان، وبسببها كثرت دعاوى الأخطاء الطبية بالمحاكم سواء المدنية للمطالبة بالتعويض أو حتى الجزائية نتيجة لإخلال الطبيب بعمله مما يؤدي لتشوه أو وفاة ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون، ولئن كان جراح التجميل كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها إلا أن العناية المطلوبة منه تكون أكبر من أحوال الجراحة الأخرى باعتبار أن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في جسده وإنما إصلاح عيوب به.

ولقد تناول المشرع الإماراتي عقوبة الإهمال الطبي في المادة 343 من قانون العقوبات الاتحادي التي نصت على أنه «يعاقــب بالحبس مدة لا تزيد على سـنة وبالغرامة التي لا تجاوز عشـرة آلاف درهـم أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسـبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الجريمة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان الجاني تحت تأثير سكر أو تخدير عند وقوع الحادث أو امتنع عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع استطاعته ذلك».

وفقاً لما انتهت إليه محكمة التمييز فإن مسؤولية الطبيب أو الجراح لا تقوم في الأصل على التزام بتحقيق نتيجة معينة من شفاء المريض أو نجاح العملية التي يجريها له، وإنما على التزامه ببذل العناية الصادقة في سبيل شفائه، وواجب الطبيب في بذل العناية مناطه ما يقدمه طبيب يقظ من أوسط زملائه علماً ودراية من الظروف المحيطة به أثناء ممارسته لعمله مع مراعاة تقاليد المهنة والأصول العلمية الثابتة، وبصرف النظر عن المسائل التي اختلف فيها أهل هذه المهنة لينفتح باب الاجتهاد فيها، وإذا انحرف عن أداء الواجب المنوط به بالدرجة المطلوبة منه فإنه يعد خطأ يستوجب مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق بالمريض ويفوت عليه فرصة العلاج ما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدي إلى ارتباطه بالضرر ارتباط السبب بالمسبب.

ونظراً للأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تقع من الطبيب أثناء إجراء العمليات الجراحية اتجهت العديد من دول العالم المتقدمة لتطوير وإنتاج روبوتات قادرة على إجراء العمليات الجراحية ومعالجة المرضى لتحل محل الأطباء الجراحين، بحيث يكون المريض هو الشخص الوحيد الذي يتواجد في غرفة العمليات الجراحية ويتم استبدال الجراحين والممرضين وأخصائي التخدير بأنظمة روبوتية، وبذلك يتم تفادي تداعيات اهتزاز أيدي الجراحين بسبب شعورهم بالتعب أثناء إجراء الجراحات الدقيقة التي تستغرق وقتاً طويلاً، الأمر الذي يمثل خطراً كبيراً على حياة المريض ولذلك طور العلماء روبوتات طبية تتميز بالدقة التامة لإجراء الجراحات بمساعدة الكمبيوتر بإشراف طبيب ذي كفاءة عالية في مجال التعامل مع هذه الروبوتات الطبية المعقدة والمتطورة.

ويعد استخدام الروبوتات في إجراء العمليات الجراحية من خلال تقنية آلية وحاسوبية تعتمد على التطورات التكنولوجية قفزة هائلة في مستقبل الطب، إذ يمكن إجراء العمليات الحساسة والدقيقة والمتخصصة عن بُعد دون الحاجة إلى سفر الجراح أو المريض، الأمر الذي سيساهم في إجراء العمليات الطارئة بنجاح ويخفف الأعباء على المرضى عن طريق الوصول إلى أفضل الجراحين العالميين.

ويعد الروبوت الجراحي (دافنشي) الأكثر تقدماً وانتشاراً في العالم، فهو مزود بأربع أذرع، واحدة للتصوير وثلاث للجراحة، وتتمتع هذه الأذرع بأقصى درجة من الحرية وحركة أفضل في يد الإنسان.

وكانت دولة الإمارات سباقة في إدخال الروبوت للقيام بعمليات قسطرة القلب شديدة الحساسية والخطورة في العام 2014 لتكون الأولى في منطقة الشرق الأوسط في استخدام هذه التقنية، والإشكالية التي تثار في هذه الحالة من الذي يتحمل المسؤولية عن الخطأ الطبي الناجم عن استخدام الروبوت الجراحي هل هو الجراح البشري المشرف على الروبوت أم الشركة المصنعة للروبوت أم المهندس الذي صمم الروبوت؟

Email