لماذا استهداف الكاظمي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أرادوه فجراً فوضوياً، لكن فجر الأحد الموافق السابع من نوفمبر الجاري، انحاز للعراق الوطني - الحضاري - الثقافي - العروبي، الذي يصارع أمواج الفوضى، بحثاً عن شواطئ الاستقرار.

نجا الدكتور مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي من محاولة الاغتيال، أعرف لماذا استهداف الكاظمي تحديداً؟ لكنى ما زلت أبحث عن إجابات لعلامات استفهام عديدة من نوع: إلى أين يريد هؤلاء الذهاب بالعراق؟ هل تآلف هؤلاء مع أجواء ما بعد عام 2003؟ وأجواء ما بعد عام 2011؟ هل هؤلاء العابثون لا يريدون حقاً عودة العراق؟

لماذا أراد هؤلاء التشكيك في نتائج الانتخابات ؟

ألم تكن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أنهكت العراق وشعبه درساً يمكن الاستفادة منه؟

علامات استفهام عديدة دارت في ذهني، منذ أن استيقظت على خبر محاولة اغتيال الكاظمي، الخبر تصدر محركات البحث ووسائل الإعلام ووكالات الأنباء.

العراق رقم مهم في معادلة استقرار المنطقة والإقليم، عودته إلى محيطه العربي خطوة، سيكون لها تأثيرها الكبير على الداخل العراقي، وعلى الخارج العربي والدولي والعالمي. موقع بلاد الرافدين على الخريطة يضع لنفسه محددات وقواعد القيادة في الطرق الوعرة سياسياً، ويفرض على الآخرين حسابات ليست سهلة في قاموس توازنات القوى.

العراق يسير في طريق ذي اتجاه واحد هو الوطنية، قطع هذا الطريق من المنتصف أمر لن يكون مقبولاً. المضي قدماً إلى الأمام قرار لا رجعة فيه. تحقيق الاستقرار والأمن العراقى مسار لا يقبل الخيارات. العالم يدرك معنى وأهمية عودة العراق إلى مكانته. ردود الأفعال العالمية السريعة الواسعة تجاه محاول اغتيال الكاظمي، أكدت هذه الرسالة المهمة إلى من يهمه الأمر.

الإنجازات الكبرى التي حققها الكاظمي منذ أن تولى مهمة رئيس الوزراء في مايو 2020 الماضي، لم تكن على هوى البعض الذي فوجئ بأن شيئاً حقيقياً يحدث في العراق، وينقذه من عثراته التي مر بها خلال ما يقرب من عشرين عاماً مضت. الانفتاح والحراك السياسي الذي أحرزه الكاظمي أزعج أصحاب الأجندات والحسابات الرافضة للاستقرار. بغداد استعادت صداها عربياً وإقليمياً ودولياً، فازدادت مخاوف المتربصين.

استمرار العراق كساحة للنزاعات والتجاذبات، صار لديهم هدف رئيسي، خرجوا إلى الساحة الخضراء، عاقدين الآمال على عدم العودة دون استئناف الفوضى، بدافع الاعتراض على نتائج الانتخابات البرلمانية التي تمت تحت مراقبة منظمات دولية، أكدت نزاهة وسلامة هذه العملية الانتخابية.

سألني زميل صحفي إماراتي متخصص في الشأن العربي: في رأيك ما دلالة ما يشهده العراق الآن؟! قلت له: إن هناك أطرافاً لا تريد خروج العراق من دولة الجماعات المسلحة إلى دولة المؤسسات، وأيضاً لا تريد خروج العراق من حالة السيولة إلى حالة الوحدة والتماسك، هذا فضلاً عن أن محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية، هي رسالة رمزية لاستهداف قلب العراق، وضرب أي محاولات لعودة الاستقرار، كما أن القوى التي لم تحصل على قبول جماهيري في صناديق الاقتراع، أرادت عقاب الناخبين عبر خلق مساحات تأزيم جديدة. قاطعني الزميل الصحفي طارحاً سؤالاً جديداً: وكيف ترى اختيار شخصية مثل الكاظمي لاستهدافها بالاغتيال؟ قلت له: الأسباب عديدة:

أولاً: الكاظمي شخصية لها حضور عربي ودولي كبير، وشخصية توافقية ومقبولة من جميع مكونات الشعب العراقي.

ثانياً: منذ أن تولي الكاظمي مهمة رئاسة الحكومة، ونجح في إعادة رسم ملامح الدولة العراقية، باعتبارها دولة إيجابية تضيف لاستقرار وأمن المنطقة، وليست ساحة لعقد الصفقات أو تصفية الحسابات.

ثالثاً: استضاف العراق في عهده أحداثاً تاريخية لم يشهدها منذ عام 2003، وفي مقدمتها على سبيل المثال استضافة القمة المصرية - الأردنية - العراقية في يونيو الماضي، ومؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس الماضي.

رابعاً: أعاد الكاظمي العلاقات العراقية مع الجميع، مع منطقة الخليج بزيارة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما نجح في إدارة العلاقات العراقية - الأمريكية، والتوصل إلى اتفاق تاريخي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بإنهاء المهام القتالية بالعراق نهاية العام الجاري.

خامساً: في عهد الكاظمي زار البابا فرنسيس الثانى، بابا الفاتيكان العراق، وتجول في مدنه، وهذا يعكس إرادة وقدرة العراق على تحقيق الأمن، والعودة مرة أخرى لدولة آمنة وطبيعية.

سادساً: قدم الكاظمي رؤية اقتصادية تحت عنوان «الورقة البيضاء» لاستعادة عافية الاقتصاد العراقي، واستطاع قطع أشواط كبيرة في طريق الإصلاح على مختلف الأصعدة.

أخيراً.. أستطيع القول: إن كل هذه الإنجازات التي شهدها العراق في عهد الكاظمي، كانت الدافع الأكبر وراء المحاولة الفاشلة لاغتياله، إذ إن المتربصين بات لديهم يقين بأن الكاظمي، يمثل بالنسبة لهم النسخة الأصلية لمفتاح عودة الوحدة العراقية.

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email