مشكلة العمل الفردي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أسوأ ما يحدث في إداراتنا العربية، عندما نحاول إجراء معاملة، فيقول لك أحدهم: إن فلاناً، الذي أجرى لك المعاملة في إجازة، وهي إشارة صريحة إلى أنهم لا يستطيعون مساعدتك حتى يعود هذا الموظف.

ذلك الموقف البسيط يكشف لك عمق المشكلة، فإذا ما كان في كل إدارة شخص يقوم بأمر مهم، ولا يفقه فيه أحد غيره، فهنا لب المشكلة، لأن هذا الأسلوب الفردي يعاكس الفكر المؤسسي، الذي يحث على توزيع المهام على أكثر من فرد منعاً لتعثر العمل أو تباطؤه.

وحتى المعرفة السطحية بعمل يجيده آخر هي مشكلة بحد ذاتها، فطبيعة العمل المؤسسي تقتضي أن يكون حول أو تحت كل شخص ضليع آخرون يحاولون التعلم منه، وهكذا تنتقل الخبرات من جيل إلى آخر، كما أن وجود ذلك يساعد على تحسين جودة العمل، لأن أكثر من عين فاحصة ستراقب الأداء.

ولذلك هناك مصطلح شهير وهو «الإدارة بالظل»، وهي فكرة تستحسن وجود موظف يرافق شخص ضليع كظله حتى يتعلم منه، والمرافقة ليست فقط للمبتدئين، بل تشمل كذلك أصحاب الخبرات الذين يريدون تعلم أمر محدد من آخر يتقنه.

إذاً شتان ما بين العمل الانفرادي والمؤسسي، فالأخير يحاول محاربة احتكار فرد لشيء محدد. ولا نقصد هنا «تقسم العمل» المبدأ الإداري الشهير، الذي أطلقه عالم الإدارة الألماني ماكس ويبر، ولكننا نقصد خطورة عدم اكتراث المدير بوجود هذه المشكلة، ولا يفيق المسؤول من غفلته حتى يفاجأ باستقالة ذلك الفرد الخبير في مجاله أو بغيابه في إجازة طويلة.

قبل أيام كنت أتراسل مع شركة في قارة مختلفة وبعيدة عنا، وبعد نحو يومين من المراسلات لاحظت بالصدفة أن كل تلك الحوارات المشتركة، والفهم، وسلاسة الانتقال من خطوة إلى أخرى لم تكن وراءها شخص واحد كما كنت أظن، بل كانوا أربعة أشخاص يتناوبون بالرد على المتصلين، وعرفت ذلك من أسمائهم المذيلة بها الرسائل البريدية.

وكانوا على قدر من المهنية العالية وكأنهم شخص واحد، فكان كل شخص يقرأ الرسائل جيداً ثم يبدأ بالرد. وتولد لديّ شعور جميل بأن روح العمل المؤسسي قد تصلك عبر أقاصي البحار والقارات، وهذا هو المطلوب، وإلا فما الفارق بين دكان يديره صاحبه وبين الشركة أو الدولة التي تعبت على تعليم أبنائها في أفضل الجامعات والمعاهد.

ومن هذا يتضح أن العمل المؤسسي يضفي على بيئة العمل الاستقرار، والهدوء، والتفاهم، وفيه راحة للمتعاملين مع المؤسسة، مقارنة بالعمل الفردي الذي يردد فيه العاملون «تعال بكرة»، لأن أحدهم قرر أن يأخذ إجازة، ويضرب بعرض الحائط مصالح الناس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هي مشكلة الموظف؟!

أرى أن المشكلة بالمؤسسة ككل ولكن على وجه التحديد من توجه إليه أصابع النقد هو المدير ثم الموظف نفسه، ذلك أن في وسع كل مسؤول أن يُوجِد نظاماً مؤسسياً مريحاً تُؤدى فيه العمليات على أكمل وجه من دون التعلق بأفراد زائلين أو عرضة للانشغالات المفاجئة، لا سيما أن تولي شخص واحد لزمام الأمور فيه تهديد للمؤسسة وعملها، وهنا قد يبدأ في فرض شروطه محاولاً «لي ذراع» الإدارة لتحقيق مطالبه.

والسؤال كيف يكتشف المسؤولون أنهم يعانون من بيروقراطية، الإجابة باختصار تظهر حينما يغيب المستحوذ على العمل، فإذا ما دب شكل من أشكال الفوضى أو الربكة واستمرت، فذلك دليل على أننا نمارس ما يسميه الأمريكان one-man-show، أي أن أحداً يتولى زمام الأمور بعيداً عن مشاركة الآخرين.

هذه الفجوة يمكن ردمها بتحديد كل إجراءات العمل بوضوح، ومشاركة الملفات، والإيميلات حتى تترسخ مع مرور الوقت فكرة أن غياب أي شخص عن العمل «لن» يعطل أي معاملة أو إجراء أو نشاط في بيئة العمل المؤسسي.

كاتب كويتي متخصص في الإدارة

 

Email