الطريق إلى أكتوبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكل الطريق إلى حرب أكتوبر، التي حلت ذكراها الثامنة والأربعون، الشهر الماضي، مرحلة فاصلة في تاريخ العرب المعاصر، ففي لحظة من لحظات وعيهم بمصالحهم وأمنهم القومى المشترك، نجح العرب في نسيان، خلافات الماضي وتوحدوا في أنحاء البلاد العربية، خلف الجيشين المصري والسوري، لتحرير الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967.

لم يتخلفوا عن تقديم كل أشكال الدعم المالي والعسكري لتعزيز قدرات جبهات القتال، ومدها بعدد من القوات النظامية، شاركت في المعارك، وارتوت ساحاتها بدماء أعداد من جنودها. فضلاً عن الدعم السياسي في هيئة الأمم المتحدة، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأقوى لإسرائيل منذ نشأتها.

وفي الطريق إلى الحرب، كان القلق سيد الموقف، وكانت الجبهة الداخلية في مصر تموج بالصخب والعنف الطائفي الأول من نوعه، والمظاهرات الطلابية شبه اليومية، المطالبة بخوض الحرب. وفي تلك الأثناء أصدر توفيق الحكيم البيان الذي اشتهر باسمه، وحمل توقيع كبار الكتاب والأدباء والمثقفين دعماً لمطالب الطلاب بضرورة الشروع في خطة للقتال.

كان الرئيس السادات قد أعلن في فبراير 1971 أن مصر لم تعد تقبل بوقف إطلاق النار، واستمرار حالة اللا سلم واللا حرب. وهو ما كان يعني أن القاهرة تسقط التزامها بالمبادرة التي كانت تحمل اسم وزير الخارجية الأمريكي وليام روجز في أغسطس عام 1970.

وكانت تلك المبادرة تقوم على وقف إطلاق النار على جبهات القتال بين مصر وإسرائيل لمدة ثلاثة أشهر، على أن تتم في أعقابها مفاوضات بين الطرفين لتنفيذ القرار الأممي 242، القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في1967.

وبرغم أن المبادرة منحت إسرائيل الفرصة لتلتقط أنفاسها، بعد الخسائر البشرية والمالية والعسكرية الجسيمة التي تكبدتها، وأنهكت قواها، في حرب الاستنزاف، التي كانت قد بدأت، بعد أيام قليلة من هزيمة يونيو، إلا أن الهدف من وراء قبول عبد الناصر بها قد تحقق، حينما تمكنت مصر من نصب شبكة الصواريخ السوفييتية العملاقة، لحماية العمق المصري من الهجمات الإسرائيلية، وهو ما يسر للرئيس السادات اتخاذ قراره.

وما كاد الرئيس السادات يعلن إنهاء عمل المستشارين السوفيت في مصر في يوليو 1972، حتى حدث ما كان يتوقعه. إذ بادر هنري كيسنجر مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للأمن القومي، بالاتصال بالقاهرة، ليعرض عليها حواراً سرياً لبحث التوصل لتسوية سلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي تحت الرعاية الأمريكية، وبمبادرة من إدارتها.

ووفقاً لما يرويه محمد حافظ إسماعيل رئيس المخابرات العامة، قبل أن يصبح مستشار الرئيس للأمن القومي في الفترة من 1971 وحتى 1974، في كتابه المهم «أمن مصر القومي في عصر التحديات»، فإن المبادرة الأمريكية، تضمنت ما يبعث على الشك في نواياها، لأنها لا تهدف إلى تسوية تزيل آثار العدوان، بل إلى تكريس الأمر الواقع.

فالحوار السري طبقاً لها يبدأ دون شروط مسبقة، باستثناء هدف مرحلي أسمى، يتمثل في إعادة فتح قناة السويس بترتيبات تشارك فيها إسرائيل، ولا تحرم السفن التي ترفع أعلامها من المرور بها، كخطوة أولى للتفاوض حول تنفيذ القرار 242.

أما المهم، فهو تأكيد المبادرة أن واشنطن ليست فقط غير مستعدة لممارسة أي ضغط على إسرائيل، بل هي عازمة أيضاً على مواصلة تسليحها، لماذا ؟ بزعم تمكينها من منع القيام بحرب جديدة في المنطقة !!

رفض الرئيس السادات المبادرة الأمريكية. وبنصيحة من السوفييت بأهمية تمسك مصر بالتسوية السلمية، وأخرى من مستشاريه، تم رسم خطة التحرك المصري للسير في مسارين متوازيين نحو بدء الحرب.

الأول جولة المفاوضات التي قادها وفد مصري برئاسة حافظ إسماعيل بهدف، مواصلة الحوار مع واشنطن والعواصم الأوروبية لتأكيد تمسك مصر بتسوية سياسية تضمن تطبيق القرار الدولي بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي استولت عليها.

والثاني إعداد الجبهة الداخلية لخوض الحرب، طبقاً لخطة تمويه استراتيجي، تم إعدادها وفقاً لدراسات علمية وافية، اتسمت بالذكاء والحنكة، وشاركت فيها كافة مؤسسات الدولة، بهدف بعث رسائل طمأنة أن مصر، لا هي مستعدة، ولا قادرة على خوض الحرب.

وكان للقرار غير المسبوق الذي اتخذته الدول الخليجية، بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل، أكبر الأثر في دعم المحاربين في ساحة القتال، وشد أزر المفاوضين السياسيين خارجها.

سطر التضامن العربي في تلك الحرب، صفحة مجيدة في تاريخ العرب المعاصر، ليتها أن تظل ماثلة في الأذهان، لتذكر، أنه لا سبيل سوى الفوز، إذا ما توحدت إرادتهم حول المصالح المشتركة.

* رئيس تحرير «الأهالي» المصرية

 

Email