تمويل الطاقة النظيفة هو الحل لتجنّب كارثة مناخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي في باريس عام 2015، الذي حمل اختصاراً اسم «كوب 21»، كان لمفهوم الابتكار وجود بالكاد على الأجندة العالمية للمناخ. ولكن اليوم، في مؤتمر غلاسكو «كوب 26» المنعقد حالياً، تغير الوضع تماماً، فقد بات الابتكار في صدارة الأجندة. ولعل تحويل أنظار العالم صوب ابتكار تقنيات للطاقة النظيفة كان من ضمن أكبر النجاحات التي حققها مؤتمر باريس. ويتيح مؤتمر غلاسكو فرصة سانحة لاستمرارية هذا المسار، ذلك أن الابتكار هو الوسيلة الوحيدة التي سَتُمكن العالم من تخفيض أثر الانبعاثات الغازية الضارة الناتجة من الاحتباس الحراري «انبعاثات غازات الدفيئة» من حوالي 51 مليار طن سنوياً إلى صفر بحلول عام 2050.

ثمة أموال هائلة مُتاحة على نحو غير مسبوق للأبحاث الأساسية وعمليات التطوير في قطاع الطاقة النظيفة، وكذلك رؤوس أموال مُجازفة لتمويل المشروعات الناشئة في هذا القطاع. وعليه، باتت بعض التقنيات النظيفة المهمة كوقود الطائرات المُستدام، الفولاذ الأخضر، والبطاريات ذات الطاقة الإضافية، حقيقة قائمة الآن على أرض الواقع، وتستعد للتوسع في نطاق تواجدها.

ولكن على الرغم من ذلك، إذا كان العالم مُلتزماً حقاً بالابتكار في التصدي لخطر التغير المناخي، فيتعين أن تكون النجاحات السابق ذكرها مجرد بداية القصة، لا نهايتها. نحتاج في «كوب 26» إلى التفكير في كيفية تحويل المفاهيم المُجرّبة مختبرياً إلى منتجات رائجة يرغب الناس بها وقادرون على شرائها. ويتطلب ذلك جهداً هائلاً لتمويل مئات المشروعات التجارية للتقنيات المناخية، والتي ما زالت في مراحلها المبكرة.

تواجه التقنية الذكية التي تهدف إلى الحد من التغير المناخي مزيداً من الصعوبة عندما تحاول شق طريقها. فبمجرد أن تتمكن من تحضير الهيدروجين الأخضر في المُختبر، يتعين عليك بعد ذلك إثبات أنه يعمل على نحو آمن، موثوق ومُجدٍ اقتصادياً.

وعلى هذا النحو، تغدو مشروعات الطاقة النظيفة بالغة التعقيد، شديدة الخطورة، وباهظة الكُلفة على نحو غير تقليدي، والأهم من كل ذلك، من الصعوبة الشديدة بمكان أن تحصل على التمويل.

وفي التقنية النظيفة، ثمة تعقيد آخر. فبعد الانتهاء من كافة التعقيدات، والأعمال الخطرة ذات الكُلفة الباهظة، ينتهي بك الحال ولديك مُنتج يشبه بدرجة ما أو أكثر المُنتج المُفترَض أن يحل محله، إلا أن كُلفته أعلى، حتى الآن على الأقل. وبطبيعة الحال، فمن الصعوبة بمكان أن تجد مشترين في هذا الحال. لقد أعلنت مئات الحكومات والشركات عن التزامها بهدف صفر انبعاثات غازية ضارة، واستثمرت مليارات الدولارات لتحقيق هذا الهدف.

فإذا أنشأنا نُظُماً من شأنها تحفيز هذه الحكومات والشركات لتمويل المشروعات التجريبية في مجال تقنيات الطاقة النظيفة، ولجعلها مُلتزمة بشراء مُنتجاتها كوقود الطائرات المُستدام والفولاذ الأخضر، فنحن بذلك نكون قد أمسكنا بفرصة كبيرة لإسراع عجلة الابتكار.

من خلال الالتزام بتوفير المزيد من التمويل للمشروعات التجريبية، الاعتراف بمساهماتها كواحدة من أفضل الطرق للوفاء بالتزام صفر انبعاثات غازية ضارة، وتأسيس نُظُم لقياس تأثير هذه الاستثمارات، فإننا نتيح لأنفسنا أفضل فرصة لتجنب كارثة مناخية.

عندما أفكر في خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى الصفر، أطرح ثلاثة تساؤلات. الأول هو هل يستطيع العالم الحفاظ على الدعم العام للتحركات الهادفة إلى الحد من التغير المناخي؟ وإجابة هذا السؤال هي أن الأمر مرهون بالتأكد من عدم ارتفاع التحول في أنماط استهلاك الطاقة على النحو الذي يجعل الأشخاص الداعمين للقضية يفقدون صبرهم. والسؤال الثاني هو هل تستطيع الاقتصادات الناشئة - كالهند، البرازيل وجنوب أفريقيا، والتي كانت إسهاماتها في معالجة القضية أقل كثيراً من إسهامات الدول الغنية، إلا أن تضررها كان أكبر - مواصلة جهودها في مكافحة الفقر بين شعوبها من دون انبعاثات الغازات الدفيئة؟ وتتوقف إجابة هذا السؤال على انخفاض سعر الخامات الخضراء، كي لا تجد هذه الاقتصادات أنفسها في مقايضة بين النمو والمناخ. والسؤال الثالث هو ما الذي سيحدث في غضون ذلك؟ والإجابة ببساطة أنه سيتعين على كل فرد التكيف مع مناخ أكثر احتراراً.

في «كوب 26» بغلاسكو، يحتاج العالم إلى وضع تعزيز الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة، سواء بُغية التخفيف من حدة أسوأ آثار التغير المناخي، أو التكيف مع هذه الآثار التي بدأنا بالفعل نشعر بها، في صدارة الأجندة، تماماً كما فعل مع قضية البحث والتطوير في «كوب 21» بباريس.

*الشريك المؤسس في «مايكروسوفت»، مؤسس مجموعة «بريكثرو إينرجي» والرئيس المُشارك في «مؤسسة بيل أند ميليندا غيتس».

** المقال منشور في صحيفة «فاينيننشال تايمز» البريطانية.

Email