المتقاعدون ينتظرون

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن الحياة سهلة مثلما هي الآن، ولم تكن الأحوال مستقرة مثلما هي الآن، ولم يكن العمل ميسراً مثلما هو الآن. نتحدث عن مرحلة البدايات، قبل 50 عاماً من الآن، عندما تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة معلنة عن عزمها مواكبة النهضة، التي كانت قد بدأت في جاراتها من دول الخليج، وقطعت شوطاً كبيراً في شقيقاتها من الدول العربية. في تلك المرحلة نهض بهذه المهمة رجال ونساء من أبناء الإمارات، حفروا في أرض أشبه ما تكون بالصخر، تحدوا محدودية الإمكانات، ونقص التجربة، وقلة الموارد البشرية المتاحة، لكنهم رغم هذه التحديات أثبتوا مقدرة غير عادية على مواجهة الصعاب، وعملوا بحماس منقطع النظير.

على يد هؤلاء قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، وبسواعدهم نهض البناء ليعانق السماء، وعندما جاءت لحظة القطاف كان هؤلاء البناة الأوائل قد أشرفوا على مرحلة تسليم الراية، والركون إلى شيء من الراحة، فكان التقاعد محطتهم الأخيرة.

التقاعد في حياة الإنسان هو المرحلة، التي يركن فيها إلى الهدوء بعد رحلة حافلة بالعمل. وهو المحطة التي يتوقع الإنسان أن يتخلص فيها من القلق وينعم بالراحة، بعد أن يكون قد أدى واجبه، واطمأن على مستقبل أسرته وأبنائه، وضمن لنفسه دخلاً يجعله في أمان من غوائل الزمان، هذه هي القاعدة التي تقوم عليها فكرة التقاعد، فهل تنطبق هذه القاعدة على أوضاع المتقاعدين لدينا؟

ينقسم المتقاعدون في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قسمين، قسم يُطبَّق عليهم القانون الاتحادي رقم 13 لعام 1974 وتعديلاته، وهم الذين تقاعدوا قبل إنشاء «الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية»، هؤلاء المتقاعدون يتقاضون رواتبهم الأساسية، تضاف إليها علاوة الأبناء المولودين قبل استحقاق المعاش التقاعدي، وهي العلاوة القديمة، التي مقدارها 300 درهم عن كل مولود، ولا يستحق أي مولود يولد لهذا المتقاعد أن تضاف علاوته إلى المعاش، كأن على الموظف أن ينقطع نسله، بعد أن يتقاعد ويصبح خارج إطار الحياة، فإذا افترضنا أن هذا المتقاعد كان يشغل الحلقة الأولى من الدرجة الأولى، وهي درجة المديرين العامّين، الذين يتم تعيينهم بموافقة مجلس الوزراء، وبمرسوم من رئيس الدولة وقتها، فإن راتبه الأساسي سيكون 8750 درهماً، وإذا افترضنا أن لدى هذا المدير العام ثلاثة أبناء عندما تقاعد فإن مجموع علاوة هؤلاء الأبناء الثلاثة هو 900 درهم. هنا يكون معاش المدير العام المتقاعد 9650 درهماً، يضاف إليها الحد الأعلى من الزيادة التي منحت للمتقاعدين قبل سنوات، وهو 6000 درهم، ليصبح مجموع المعاش الذي يتقاضاه المدير العام السابق هو 15650 درهماً، لا تزيد فلساً واحداً حتى يلقى ربه، وهو أقل من راتب خريج جديد هذه الأيام.

هذا هو القسم الأول من المتقاعدين، أما القسم الثاني منهم فهم الذين تقاعدوا بعد إنشاء «الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية» عام 1999. هؤلاء يُطبَّق عليهم القانون رقم 7 لعام 1999 وتعديلاته، وهو قانون مضى عليه حتى الآن 22 عاماً، وأصبح بحاجة إلى إعادة نظر، لهذا، دعا المجلس الوطني الاتحادي في توصياته عند مناقشة هذا الموضوع منذ سنوات إلى ربط المعاش التقاعدي بالتضخم، كي لا يأتي على المتقاعدين الأواخر زمن شبيه بزمن المتقاعدين الأوائل.

في لقاء القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، برئيس وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي عام 1998، تحدث، عليه رحمة الله، عن أوضاع المتقاعدين من أبناء الدولة، وكيف يتم منعهم من العمل بعد التقاعد، بحجة أن معاش التقاعد يكفيهم، وبدعوى عدم مضايقة الشباب. وتساءل، عليه رحمة الله، كيف يتاح لمن يفد إلى الدولة من جهات الأرض الأربع العمل، ويمنع منه أبناء الوطن، بعد أن أمضوا سنوات من أعمارهم في مجالاته المختلفة، اكتسبوا خلالها من الخبرة ما يؤهلهم لاستثمار دراستهم وخبرتهم في جهات ومواقع أخرى. ويذكر، عليه رحمة الله، أنه ظل يواجه هذا الادعاء سنة كاملة، وقد أمر بحذفه من القانون نهائياً، وأمر بأن يسمح للمتقاعد بالعمل في أكثر من جهة إذا أراد ذلك. هذا التوجيه السامي والمنطقي من القائد المؤسس، عليه رحمة الله، لم ينعكس في القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 1999 للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وتعديلاته.

دولة الإمارات العربية المتحدة تحتفل هذا العام بمرور 50 عاماً على تأسيسها، والمتقاعدون الذين أسهموا بجهد كبير في مرحلة التأسيس تلك، وفي المراحل التالية، ينتظرون قرارات تشعرهم بأنهم ما زالوا على قيد الحياة، والموظفون الذين ما زالوا على رأس عملهم ينتظرون، قبل أن يصلوا إلى مرحلة التقاعد، قانون معاشات وتأمينات اجتماعية يحتل المرتبة الأولى بين قوانين العالم كلها، تماماً مثلما تحتل دولتهم المرتبة الأولى بين الدول في تقدير أبنائها.

* كاتب وإعلامي إماراتي

Email