العراق.. طبعة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا عن اليوم التالي؟

هذا السؤال يطرح نفسه بقوة، في أفق الشارع العراقي، بعد الانتهاء من إجراء الاستحقاق الانتخابي البرلماني.

الجغرافيا تفرض على العراق، ضرورة أن يظل مصافحاً لدوره التاريخي.

الآمال معقودة على تحركات جادة، تتعلق بالمستقبل العراقي في مختلف المجالات والمسارات. خطوة نجحت بقوة، ويمكن البناء عليها، شريطة توافر التكاتف والتلاحم بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية العراقية.

الدروس المستفادة من تنظيم هذا الاستحقاق، عديدة، ويأتي في مقدمها أن الإرادة العراقية، استطاعت تنظيم وتأمين وإخراج الانتخابات في أفضل صورة، برغم الظروف والتحديات التي يمر بها العراق.

إجراء الاستحقاق الانتخابي قبل موعده، الذي كان محدداً له في مايو 2022، إنما قرار يعكس قوة ومعنى الاستجابة لمطالب الشارع العراقي، بل ويؤكد تقدير مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة، لرغبات الشارع، ما دامت تتوافق مع الصالح العام.



أيضاً ظهر العراق وشعبه أمام العالم بصورة حضارية، تؤكد عزيمته في استعادة عافية الدولة ومؤسساتها، وتعزيز فرص الأمن والاستقرار، وبناء اقتصاد جديد، يواكب مطالب المرحلة المقبلة، بل إن هذه العملية، مكنت بغداد من انتزاع مقعد في صفوف القدرة على الإرادة والتنفيذ، وشكلت لها قيمة مضافة في مد الجسور بين العراق، وبين محيطه العربي والإقليمي.

أضف إلى ذلك، فإن حسابات المكاسب ظهرت جلية في الشهادات العربية والدولية تجاه هذه الانتخابات، فقد أشاد بها أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبعثة الأمم المتحدة داخل العراق، وجامعة الدول العربية، كل هذه المؤسسات، التي منحت شهادة سلامة دولية لهذه الانتخابات، إنما هي بمثابة مساحات جديدة من الدعم والزخم لمستقبل المؤسسات العراقية، أما المشهد المركزي بين مشاهد العملية الانتخابية، فهو التلاحم الذي لاحظناه جميعاً بين الشعب والحكومة، والحرص الشديد على إنجاز هذه المهمة بشكل حضاري، أعاد إلى الأذهان الصورة النمطية الراسخة والراقية لبلاد الرافدين.

مكاسب هذه التجربة تستحق التوقف. العراق يبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار، يحتاج إلى إرادة قبل الإمكانات، الوصول إلى مستقبل آمن ومزدهر، يتطلب طبعة جديدة بعنوان «الدولة الوطنية العراقية فوق الجميع».

مخرجات هذه الانتخابات فرصة، يخطئ كثيراً من لا يجيد قراءتها واستثمارها والبناء عليها. الشعب العراقي قال كلمته، صناديق الاقتراع تعلن انحيازها لمفهوم الدولة الوطنية المستقرة.

وسط كل هذا، ربما يتساءل البعض: كيف يمكن استثمار هذا الاستحقاق الانتخابي لصالح المستقبل العراقي؟

في الحقيقة، فإن إجابة هذا السؤال، هي جوهر ما يحتاجه العراق في الفترة المقبلة، وهو ما يتمثل في تشكيل حكومة قوية بشكل سريع، تكون لديها القدرة على الاستجابة العاجلة لمطالب الشعب العراقي، ومواصلة روح المبادرة في مواجهة الإرهاب ومكافحة الفساد، وإعادة الخدمات للمواطن العراقي، التي افتقدها منذ عام 2003، وفتح جسور قوية مع العالم العربي وأصدقاء العراق في الخارج، وتعميق الشراكات الاقتصادية والخدمية التي تصب مباشرة في مصلحة المواطن.

وعلى صعيد آخر، فإن العراق أمامه فرصة تاريخية، لأن يكون صاحب الدور البارز في إعادة ترميم العلاقات السياسية، بين بعض العواصم العربية التي تصدعت في السنوات الماضية.

انتهت الانتخابات العراقية، وتم إعلان النتائج، لكننا في انتظار الطبعة الجديدة للعراق، بتوقيع مكوناته الوطنية.



* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email