الرؤية بين الأغصان العالية والجذور الضاربة في الأرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

مقال «الرؤية بين الأغصان العالية والجذور الضاربة في الأرض»، يتناول مفهوم الرؤية، كما يطرحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في الفصل الثاني من كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، والذي يحمل عنوان «الرؤية».

الرؤية.. ما هي؟ وكيف تتكون؟ وهل يمكن حصرها في قالب ثابت؟ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: الرؤية ليست قالباً ثابتاً، فيمكن أن تحمل بعض ملامح الحلم، ويمكن للحلم أن يحمل بعض ملامح الرؤية، لكن الرؤية ليست حلماً. الحلم عادة نتاج اللاوعي يأتي الإنسان في منامه أو إغفاءته، لكن الرؤية في العموم نتاج الوعي. هل يمكن أن يكون الحلم رؤية في اللاوعي وأن تكون الرؤية حلماً في الوعي؟ هذا شيء لا أستطيع إثباته. هل الرؤية من صنف أحلام اليقظة؟ ربما، وفي حالات بعينها فأنا أحلم أحياناً وعيناي مفتوحتان، لكن حلم اليقظة عادة ليس رؤية ما لم تتوافر فيه خاصية حاسمة.

هل الرؤية علم؟ بشأن هذا السؤال يضيف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قائلاً: الرؤية ليست علماً، فربما انطبق عليها ما تقدم، أو بعضه، وربما شاء البعض معارضة ذلك، لكن إن لم تكن الرؤية علماً فما هي؟ فن؟ موهبة؟ هل تتطور لدى الفرد بمعزل عن المحيط أم أن لها علاقة به؟ هل يتوارثها الابن عن الأب، والأب عن الجد، والجد عمّن سبقه؟ هل هي مقصورة على القادة أم بإمكان كل شخص أن تكون له رؤية؟ بناءً على هذه التساؤلات، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: إذا أبعدنا الصفة العلمية عن الرؤية فربما وجدناها تتضمن جزءاً، أو أجزاءً، من كل ما تقدم، لكن الخاصية الحاسمة التي لا بد أن تتوافر فيها هي التنفيذ وليس مجرد قابلية التنفيذ.

هل الرؤى تصنع الحضارات؟ بشأن هذا السؤال الكبير، يتفضل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بطرح الإجابة الآتية: الرؤى لا تصنع الحضارات ولا تحقق النمو والتقدم ما لم يترجم صاحب الرؤية رؤيته إلى حقيقة خلال وقت مناسب. إن لم يحدث هذا فسيان إن اعتبرها الناس حلماً أو رؤية أو حلم يقظة أو خيالاً أو حتى أضغاث أحلام.

ما هي الرؤية الأصيلة؟ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: الرؤية الأصيلة ليست رؤية المنام، بل رؤية المستقبل، لذا ينبغي على القائد أن يتمسك برؤيته انطلاقاً من قناعته التامة بأنه يرى في المستقبل ما لا يراه الآخرون حوله، وأن رؤيته ستحقق الأهداف المرسومة لها. لكن على القائد في الوقت نفسه أن يتقبّل انتقاد رؤيته وأن يكون مستعداً للدفاع عنها وإقناع الآخرين بصوابها وجدواها وتذليل كل الصعاب التي يمكن أن تعترض طريق تنفيذها.

ما مصدر الرؤية؟ في هذا الشأن، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: الله في حكمته يقسّم الأرزاق والقدرات والمواهب، فلدى البعض رؤية لا تتعدى ما يحمله إليه يومه، ولدى غيرهم رؤى ربما طالت عشر سنين أو مئة أو أبعد. لكن من أين للإنسان العادي أن يمتلك رؤية كهذه؟ للقدرات والعواطف امتدادات وجذور ضاربة في الأعماق مثل الشجر الكبير، وإن كنّا لا نعرف أصول الأشياء أو لا نملك القدرة على تفسيرها وتعريفها فهذا لا يعني أنها بلا أصول. يستطيع القائد أن يطوّر الرؤية وأن يطلق لخياله العنان في صياغتها ويرفع أغصانها عالياً لكن جذورها تظل في الأرض.

ختاماً نقول.. من المؤكد أن يرتبط تنفيذ الرؤية بعملية التنمية، فما هو أصعب شيء يمكن أن يواجهه القائد في هذا المجال؟ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في الفصل الخامس من كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، والذي يحمل عنوان: «القرار وفريق العمل»: كثيرون سألوني ما هو أصعب شيء واجهته خلال عملية التنمية على مدى العشرين سنة الماضية؟ مضمون الإجابة عن هذا السؤال سنتعرض له، ونناقشه في مقال مقبل إن شاء الله.

Email