ولا يزال الإرهاب مستمراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الذي تغير بعد مرور 20 عاماً على أحداث سبتمبر 2001؟

كان ذلك هو السؤال المحوري الذي شغل اهتمام الإعلام الغربي والعربي في الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر. حينذاك تمكن إرهابيون انتحاريون من تنظيم القاعدة، من خطف طائرات أمريكية محلية.

واقتحام برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن، ما أدى إلى تحطمها، وقتل نحو ثلاثة آلاف شخص. ومن سوء الحظ أن معظم الخاطفين كانوا من المنطقة العربية، التي دفعت من أمنها واستقرارها، أثماناً باهظة لذلك، كان في القلب منها شطب القضية الفلسطينية من جدول الاهتمام الدولي.

لعل الإجابة أن تكون وما الذي لم يتغير؟

نشأ تنظيم القاعدة بقيادة «أسامة بن لادن» بتشجيع من واشنطن، وبتمويلها وتسليحها ودعمها اللوجستي، بهدف محاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان. واستطاع التنظيم أن يجذب إليه المتطرفين في المنطقة العربية والدول الإسلامية. وحين انسحب السوفييت، كانت خزائن التنظيم قد مُلئت بالمال والسلاح، وباتت الساحة الأفغانية مرتعاً خصباً له، للتوسع في الحشد لعضويته، والتدريب والتأهيل المستمر، الذي تتيحه الطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة في أنحاء البلاد.

وما كاد السوفييت يخرجون من أفغانستان حتى تم تحطيم جدار برلين، وتلاه سقوط الاتحاد السوفييتى، أخذا معه في عاصفة سقوطه المدوية، منظومة الدول الاشتراكية بكاملها.

انتهت الحرب الباردة، وانتفخت أوداج المؤسسات الأمريكية بعدما غدت أمريكا القوة الوحيدة في العالم، فاستدعت مفكريها لتعزيز ذلك الانفراد بالقول إنه «نهاية التاريخ»، وتعبير عن انتصار الديمقراطية وقيم الليبرالية الغربية، بصفتها الشكل النهائي لحكم الشعوب.

لكن تنظيم القاعدة كان له رأي آخر. افتتح التنظيم الألفية الجديدة «بغزوة نيويورك» كما كان يسميها أسامة بن لادن. ومرة أخرى يتقدم أكاديميو المؤسسة الأمريكية لتفسير ما يجري بالقول بأنه صراع بين الحضارات.

وما أن شرع الغزو الأمريكي والغربي لأفغانستان للانتقام من القاعدة، حتى أصدر عدد من أشهر المفكرين الأمريكيين بياناً يؤيدون الغزو، ويعتبرونه حرباً مشروعة ضد الإرهاب، ودفاعاً عن الإنسانية.

أما الأصوات الأمريكية التي عارضته، وانتقدت سياسات الاحتواء والردع والغزو منذ حكم كيندي ومن بعده، فقد تم تهميشها والتشويش عليها، بفعل آلة إعلامية جبارة، تفتقد للحياد، فضلاً عن صحوة الضمير.

عشرون سنة على أحداث 11 سبتمبر والإرهاب يتمدد في الغرب الأمريكي والأوروبي وفي بعض دول آسيا والشرق الأوسط، والحريات العامة والخاصة يجري تقليصها تحت ذرائع مكافحة الإرهاب الباطلة والمخادعة.

عشرون عاماً، والديمقراطية الانتخابية، التي تقتصر على الاحتكام للصندوق، وتتجاهل القيم الليبرالية التي تنشد الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، باتت تواجه في بلاد نشأتها أسئلة صعبة عن جدوى استمرارها.

كما تتعرض لامتحان عسير عن مدى قدرتها على التمثيل الحقيقي لآراء وطموحات الشعوب، لا سيما بعد أن سمحت أدواتها الهشة بصعود تيارات يمينية متطرفة لسدة الحكم، وبعودة القوى النازية والفاشية للنشاط السياسي العلني، وعجزت عن تلبية الحقوق الاجتماعية المشروعة لمواطنيها، لتتسع الهوة بين من يملكون ومن لا يملكون.

عشرون عاماً وتنظيم القاعدة يترسخ كفكرة وعقيدة، مع تشكل ميليشيات من المجتمعات المحلية التي ظهر بها، وصار يتمدد من داخل أفغانستان إلى خارجها، في اليمن والصومال ونيجيريا والمغرب العربي وباكستان والهند وبنغلاديش وحتى في شمال سيناء. ومن رحمه، ومنافساً لنفوذه، يخرج تنظيم داعش على أنقاض الدولة العراقية التي حطمها الغزو الأمريكي، ويظهر داخل الأراضي السورية منتحلاً أسماء مختلفة.

بعد عشرين سنة تتهاوى تحت أنقاض ديمقراطية الردع والغزو والاحتواء، صورة الولايات المتحدة كشرطي للعالم، بجانب الكلفة المالية والمادية والمعنوية والبشرية الباهظة التي تكبدتها لبناء تلك الصورة.

وهي كذلك لم تعد القوة العسكرية والأمنية التي يمكن الوثوق بها أوروبياً، ليس فقط بسبب انسحابها الفوضوي المنفرد من أفغانستان، بل أيضاً لدورها في إضعاف الاتحاد الأوروبي وتشجيع بريطانيا على الخروج منه، مما أصبح يعزز المسعى الفرنسي لبناء جيش أوروبي موحد، ويشجع على انتهاج سياسات أوروبية تمتلك قدراً من الاستقلال وحرية الحركة عن السياسة الأمريكية.

ولعل أهم نتائج ذلك الإرث المرير، وأكثرها أهمية، أن الإرهاب يضعف وتقل وسائله داخل الدولة الوطنية الفاعلة والقوية والعادلة، والذي بذل الغرب عبر عقود جهوده للنيل منها والتحريض على تهميشها وهدمها. وتبقى تلك أيقونة تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم لدول منطقتنا العربية.

* رئيس تحرير «الأهالي» المصرية

 

Email