ليسوا «عدالة» وليسوا «تنمية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تأخذ مجهوداً مثلما شهدنا في عواصم عربية أخرى، هوت دون ضجيج، الهشاشة تمكنت من مفاصل هذه الجماعة والتنظيم، المصداقية باتت صفراً كبيراً، السقوط المدوي لجماعة الإخوان المتمثلة في حزب (العدالة والتنمية) بالمغرب في الانتخابات التشريعية، التي جرت في الثامن من سبتمبر الجاري، الذي حصل خلالها على 13 مقعداً فقط من إجمالي 395 مقعداً، رسالة فاصلة إلى من يهمه الأمر، ودليل دامغ في مواجهة المرجفين والمتأسلمين، ووكلاء الفوضى في المنطقة.

هنا قبل الدخول في قراءة دلالات هزيمة العدالة والتنمية، فإننا أمام مفارقة هي أن الانهيار المتلاحق والسريع لهذه الجماعة شهدته القاهرة مع ثورة 30 يونيو، وفي تونس ليلة 25 يوليو، وفي المغرب مع رائحة الذكرى العشرين للحادي عشر من سبتمبر2001، الذي منح مفاتيح العنف لهذه الجماعات الراديكالية العنيفة، وفي القلب منها جماعة الإخوان وروافدها.

في ما يتعلق بمفارقة يونيو، والخلاص من الإخوان، فلا شك في أن الشعب المصري قال كلمته أمام العالم، وعزل حكم جماعة المرشد في مشهد شعبي عظيم، بات يمثل نموذجاً قوياً ودرساً يقاس عليه أمام العالم.

الشعب كشف زيفهم وكذبهم، ولم يقبل تسليم هويته وحضارته العميقة لحكم المرشد.

فعلها المصريون، ولم تتوقعها الجماعة، التي عاثت في ربوع المحروسة فوضى وتخريباً وقتلاً، حاول المرجفون والتابعون والوكلاء، البحث عن بعث روح هذه الجماعة في تونس، لكن حركة النهضة كانت سباقة في إحراز الفشل بامتياز، واستلهمت جيداً نموذجاً عاماً من الفشل، أثناء حكم دولة بحجم مصر، تونس التي اتخذ منها التنظيم الدولي الشرارة الأولى لكرة اللهب، للانقضاض على سائر عواصم المنطقة.

لم تحتمل البقاء تحت حكم (النهضة)، وخرج الرئيس التونسي قيس سعيّد، ليلة الخامس والعشرين من يوليو متخذاً قرارات، تلبي مطالب شعبه، الذي خرج في الشارع، وأبى ألا يعود من دون سقوط الإخوان، مضى الشعب التونسي ورئيسه في إعادة ترتيب مؤسسات الدولة، واستعادة هويتها وسياحتها وثقافتها وتنويرها من قبضة حركة ظلامية، لا تعبر إلا عن أجندة التنظيم الدولي.

تهاوت قلاع (الغنوشة) أمام إرادة تونس. دوي هزيمة الإخوان في القاهرة وتونس، زلزل وجودهم في المغرب، لم يكن الخلاص منهم في الرباط أمراً مكلفاً، فروح الوطنية باتت الخيط الناظم بين الشعوب العربية، تتفق دون عقد اتفاق، وتتحالف من دون مشروطية إنما توحدهم مواجهة الأفكار التخريبية الفوضوية الطامسة للهوية، التي تحركها التنظيمات الإرهابية، «ليسوا عدالة وليسوا تنمية»، غربت شمسهم لتشرق شمس المملكة المغربية بشعبها القوي الذكي، الذي قال كلمته في صناديق الاقتراع بهدوء شديد، ليؤكد الرشد الديمقراطي، الذي وصل إليه.

الهزيمة هنا باتت عابرة للحدود، من القاهرة إلى تونس إلى الرباط، الرسالة تستحق القراءة بعمق، الوقفة واجبة للتأمل، الجماعة تتلاشى من حسابات الشعوب الوطنية، الدلالات هنا واضحة ومتعددة، يأتي في مقدماتها أن الشعوب ضاقت بتجارب الإخوان الإرهابية.

وأنها استنفدت صبرها في التعامل مع جماعة تقوم على مبدأ «التقية» تؤمن بشيء وتمارس عكسه، وبالتالي، فإن تحرك الشعوب المتتالي يؤكد وجود قرار دفين داخل وجدان أبناء الحضارة والثقافة والتنوير، وأن الحفاظ على مقدرات أوطانهم باتت قضية وجود، هذا فضلاً عن أن الانشقاقات والانقسامات بلغت مداها، داخل حزب العدالة والتنمية.

وأن التجربة على الأرض خلال توليه الحكم باءت بالفشل، الذي قاد إلى صراعات عميقة بين قيادات الحزب، وأن الواقع يكشف زيف وكذب سياسي منذ عام 2011 حتى الآن.

كما أن عدد المقاعد الثلاثة عشر، التي حصل عليها الحزب يؤكد منهج التصويت الاحتجاجي، وإنجاح تجربة التغيير عبر صناديق الاقتراع، أيضاً لا يمكن فصل الهزيمة المدوية للعدالة والتنمية عن المتغيرات المتلاحقة والسريعة تجاه التنظيمات الإرهابية، سواء في المنطقة العربية أم في الداخل الأوروبي، الذي ينتفض بشدة، لإصدار تشريعات صارمة ضد محاولات التمدد الإخواني في العواصم الأوروبية، في السياق ذاته يأتي التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المغربية، إنما ليؤكد رسالة تضامن الشعب المغربي مع الشعب التونسي ضد وجود الإخوان في المشهد السياسي والمجتمعي.

وسط الرمال السياسية المتحركة، التي تقذف هذه التنظيمات من عاصمة إلى أخرى، يجب علينا استكمال وحدة الشعوب، وترسيخ مبدأ التضامن، لمحاربة هذه الجماعات الإرهابية وشطبها تماماً من باقي العواصم العربية، وأظن أن هذه الخطوة ليست بعيدة في ضوء قراءة مشهد الانهيار الكبير، الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

 

Email