هل تصلح اللوغاريتمات في تعيين الموظفين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تُجري مقابلة شخصية بغية الالتحاق بوظيفة، ماذا سيكون شعورك حينما يسألك الشخص الذي يُجري المقابلة معك عن تقييمات سائقي «أوبر» بحقك؟

من المعروف أن سائقي تطبيق «أوبر» لخدمات النقل حسب الطلب عبر الهواتف الذكية يقيمون عملاءهم بعد انتهاء الرحلة، ويسجلون التقييمات على التطبيق. وتتراوح التقييمات بين درجة واحدة وخمس درجات، فهل بات التقييم الذي يمنحك إياه سائق لدى «أوبر» هو المعيار الفاصل لتحديد ما إذا كنت ستنال الوظيفة التي تطلبها أم أن طلبك سيلقى رفضاً؟

لقد حدث ذلك بالفعل، عندما انبرى أحد الرؤساء التنفيذيين إلى صفحته الشخصية عبر «تويتر» قائلاً إنه جعل تقييمات سائقي «أوبر» جزءاً من المعايير التي يعتمدها في اختياره للموظفين المقبلين لدى الشركة التي يتولى منصب رئيسها التنفيذي.

وغرد فيتالي كاتسينلسون، الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الاستثمارية في مدينة «دنفر» الأمريكية، عبر «تويتر» مبرراً وجهة نظره: «إذا كنت تتعامل مع الغرباء عنك باحترام، فستتعامل مع عملاء الشركة التي تعمل لديها ومع زملائك في العمل على نفس النحو أيضاً».

ويرى كاتسينلسون أن فكرته جيدة. وبدأت القصة عندما كان كاتسينلسون بحاجة إلى مدير للعمليات في الشركة، فرأى أن تقييمات سائقي «أوبر» وسيلة ذكية وغير متحيزة لمعرفة الصفات الحقيقية للمتقدمين إلى الوظيفة.

وانتهى الأمر بموافقة كاتسينلسون على تعيين سيدة في المنصب بعد أن نالت من سائقي «أوبر» 4.89 درجات، وهو تقييم يفوق ما حصل عليه كاتسينلسون نفسه، وهو 4.86 درجات. ولكن لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، إذ سرعان ما اكتشف كاتسينلسون أن تقييمات سائقي «أوبر» متحيزة في بعض الأحيان.

فعلى سبيل المثال، يعمد بعض السائقين إلى تسجيل تقييمات متدنية لعملائهم من السيدات إذا رفضن محاولاتهن للتقرب إليهن. وفيما يخص عملاء «أوبر» من الرجال، فالعديد منهم نال تقييمات منخفضة من دون وجه حق لمجرد إصرارهم على مغادرة السيارة عند أبواب بيوتهم، بينما كان السائقون متكاسلين.

وتواصلت المفاجآت مع كاتسينلسون، إذ اكتشف أن مساعدته في الشركة حصلت على أدنى تقييم رآه على الإطلاق من سائقي «أوبر»، برغم أنها، على حد تعبيره، شخصية رائعة إلى حد مذهل. وكتب في مدحها قائلاً: «كم كنت أتمنى لو كانت الشركة بأكملها مثل باربرا».

وسرعان ما نبذ كاتسينلسون فكرة الاعتماد على تقييمات سائقي «أوبر» في اختيار الموظفين الجُدد. وانبرى مجدداً إلى صفحته عبر «تويتر»، ولكن هذه المرة ليعترف بخطأ فكرته: «اعتقدت أنني كنت عبقرياً عندما تبنيت هذه الفكرة، إلا أنني أدركت بعد ذلك أنها ليست الحل السحري».

وعندما نتأمل قصة كاتسينلسون نجد أنها أحدث حلقة في مسلسل سيطرة التقنية إلى حد مخيف على عملية اختيار الموظفين الجُدد، بعد أن كانت المقابلات الشخصية هي الدعامة الأساسية لهذه العملية وظلت كذلك على مدى قرن.

لقد صارت عمليات التعيين تُعهد إلى شركات خارجية تبحث في المواقع الشبكية عن المتقدمين لشغل الوظائف، ويُجرون مسحاً ضوئياً لسيرهم الذاتية بحثاً عن كلمات وجمل مُحدّدة يرغبون برؤيتها.

وعلاوة على ذلك، باتت بعض هذه الشركات تستخدم أدوات رقمية مُبتَكَرة لاختيار الأنسب لشغل الوظيفة من بين المتقدمين، كالتعرف إلى نبرات الصوت ومراقبة لغة الجسد، وغيرها من الوسائل الغريبة التي باتت أشبه باللوغاريتمات، وهم يظنون أنهم بذلك يختارون أفضل الموظفين.

ويقول البروفيسور بيتر كابيللي، أستاذ الاقتصاد لدى كلية «وارتون للأعمال» بجامعة «بنسلفانيا» الأمريكية: «لم تُعين الشركات على الإطلاق بقدر ما تُعيّن اليوم، ولم تنفق أموالاً طائلة على هذه العملية على الإطلاق بقدر ما تفعل اليوم، ولم تكن نتائج كل ذلك أسوأ على الإطلاق مما هي عليه اليوم».

إنه من الجنون حقاً أن أعتمد على لوغاريتمات في اختيار موظف جديد.

* ترجمة بتصرف: سيد صالح

 

Email