«الأيديولوجيا» مدخل للشمولية في عالم السياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعبت «الأيديولوجيا» على مر العصور دوراً كبيراً في التأثير على حياة الإنسان، فرداً ومجتمعاً، في العالم أجمع وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط.

حيث فرضت عبر «ردائها السياسي» حضوراً لا يزال فاعلاً حتى يومنا الحاضر في آليات تأسيس الدول على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو فلسفية أو حزبية، أو غير ذلك. من الصعب جداً، وهو مما لا أسعى إليه شخصياً، وضع تعريف جامع لمصطلح «الأيديولوجيا» وحصرها في نطاقه.

وذلك لوعورته بحكم انطوائه على دلالات عديدة لا تخلو من التباسات فكرية وفلسفية على صعد مختلفة وفقاً لطرائق توظيفه في الصراعات السياسية التي لم تخلُ العديد من مسارحها هنا أو هناك من سيول الدماء، أو في الخلافات المجتمعية التي تتردد في سياقات مقارباتها أصوات عالية تترافع بقوة منددة بالتجاوزات على حقوق الإنسان وانتصاراً لحقوق المرأة وحقوق الطفل، أو في توظيفه أكاديمياً في نظرية المعرفة، ومواجهة محنة المساءلات الصارمة.

ورغم هذه الصعوبات يمكن التعرف على الأيديولوجيا من باب المقاربة لا التعريف بأن هناك مجموعة من النظم والأفكار والقيم والسلوكيات تتسق مع بعضها لتصبح منهجاً للتفكير يعتنقها البعض لتعينه على تفهم واقعه في الحياة حاضراً ومستقبلاً، وربما يقاد بوساطتها الانتماء لمنظمات ذات أهداف اجتماعية أو سياسية تتناغم مع أهدافه ومصالحه، فالأيديولوجيا أكثر من مجرد فكرة أو موقف حول شيء ما.

حظيت «الأيديولوجيا» ببريق خاص وشعبية كبيرة لدى أوساط واسعة من الشباب في منطقة الشرق الأوسط لارتباطات مبادئ بعضها بالموروثات الثقافية المتمترسة بعمق في التقاليد المجتمعية من جهة وتعبير مبادئ بعضها الآخر عن ضرورات حداثية للتغيير فرضتها التطورات في العالم سياسياً وثقافياً أظهرها للعلن أصحاب تيارات سياسية وفكرية.

وتوظف بعض هذه الأيديولوجيات بعض ما تراكم من علوم ومعارف لصالح الترويج لأفضليتها وتفوقها على سواها. وقد ولدت بعض الأيديولوجيات بدوافع إنسانية تجاوزت انتماءات الفرد قومياً ووطنياً ودينياً ومذهبياً ورؤى تعنى بالإنسان وموقعه ودوره في الحياة وحقوقه وواجباته، في حين ولدت أخرى بدوافع تعزيز الهوية.

وبكلمات أخرى الأيديولوجيا خارطة طريق حول مقاربة الحياة بكافة تعقيداتها، فهي مدرسة فكرية فيها ما يقرأ لتفسير الماضي وتفسير الحاضر، وفيها ما يستشرف لصورة المستقبل بأدوات ماركسية أو قومية أو وطنية أو دينية أو مذهبية أو ليبرالية أو بغيرها.

اتسمت معظم صراعات القرن العشرين على المستويين الإقليمي والدولي بحضور الهويات الوطنية للدول منحازة سياسياً لإحدى أيديولوجيتين، بالمعنى الفضفاض للمصطلح، قادتا صراعات القرن الماضي، تحت مسميات مختلفة تعارفت الأوساط السياسية وفق الأعراف التي كانت سائدة آنذاك على تصنيفها وفق مسميين «اليسار واليمين».

بدأ البريق الذي صاحب مصطلح «الأيديولوجيا» يخبو مع التراجع في دور الاتحاد السوفييتي ثم انهياره مطلع تسعينيات القرن المنصرم ليصل إلى عالم اليوم مجرداً من لمعان الماضي، حيث أصبح هذا المصطلح غالباً ما يحمل دلالات سلبية في عالم السياسة تعود إلى ما خلفته حقبة الحرب الباردة من فشل وانهيارات للأنظمة التي بنيت على أسس أيديولوجية.

التمسك بأيديولوجيا معينة لم يعد نموذجاً جذاباً في العمل السياسي فأدلجة الدولة تعني فرض الحكم الشمولي وفق ما تتطلبه سياقات العمل بها بشتى الوسائل التي تشهد حضوراً جلياً للوائح القانونية الصارمة وحضوراً خفياً لأدوات العنف والقمع والتغييب عن مؤسساتها.

النظام الشمولي يفرض ويمارس هيمنة كاملة على جميع جوانب الحياة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ولا يستبعد في سياقات أهدافه التغلغل في دخائل النفوس، لذلك يستحدث أجهزة إعلامية وأمنية جديدة تعمل عن قصد أو غير قصد على تدمير التقاليد المجتمعية والقانونية والسياسية في الدول التي تحكمها. النظام الديكتاتوري لا يقود بالضرورة إلى الشمولية.

ولكن النظام الأيديولوجي يعمل على ذلك. الشمولية تختلف جوهرياً عن الديكتاتورية، وتتفوق على جميع أشكالها المعروفة في المديات السلبية التي تتركها، وذلك لأنها تفرض الحصار على الحياة.

 

*كاتب عراقي

 

Email