لابد من بغداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عُقدت قمة بغداد للتعاون والشراكة وانتهت، حضر قادة وممثلو تسع دول، بغداد تنتفض لاستعادة العراق العراقي، الدولة الوطنية لم تعد تحتمل أي تأخير، التصدعات حاصرتها ولاحقتها في مختلف المجالات منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003.

عودة بغداد إلى محيطها العربي إشارة، بل نقطة ارتكاز وانطلاق إلى مرحلة استقرار جديدة، المنطقة في أمس الحاجة إليها، خرائط ما بعد «الربيع العربي»، لا تزال تئن من متغيرات جيوسياسية بالغة القسوة، صارت مسرحاً للدواعش، وأخواتها، وباتت رهينة للتجاذبات الإقليمية والدولية، العراق دفع الثمن مبكراً، أدار جورج بوش الابن مفاتيح التخريب، ثم سلم بغداد بتاريخها وحضارتها وثقافتها لقوى إقليمية، مزقت النسيج الاجتماعي والسياسي لشعبها العظيم.

هذه القمة التي جاءت في توقيت بالغ الصعوبة والتعقيد، لها دلالاتها وأبعادها وأهميتها الضرورية والملحة، لا يمكن تصور خريطة العالم العربي دون بغداد، ولا يمكن أيضاً استقرار المنطقة دون استقرار العراق.

عودة بغداد أحد المفاتيح الاستراتيجية التي يمكن البناء عليها، إرادة العراق فرضت نفسها على الجميع، خاب ظن الذين راهنوا على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغادر بغداد، بينما نجحت حكومة مصطفى الكاظمي، في الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي الذي جرى في واشنطن، في إقناع الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء المهام القتالية في بلاد الرافدين مع نهاية هذا العام.

هذه واحدة من المكاسب الكبيرة التي تؤكد إرادة العراق، إذا ما وضعناها جوار مكاسب أخرى، تمثلت في الاستقبال والزيارة الناجحة للبابا فرنسيس خلال شهر مارس الماضي، واستضافة بغداد مؤتمر برلمان دول الجوار في أبريل الماضي.

هذا فضلاً عن التحدي الذي لازم إرادة رئيس حكومة العراق مصطفى الكاظمي خلال جولاته المكوكية إلى جميع دول المنطقة، هنا نتوقف أمام رسائل العراق، بغداد تستعيد حضورها وقوتها كجسر للتواصل والسلام والاستقرار، وفرض أجندة جديدة، عنوانها البحث عن مصالح الشعوب، وإنهاء التجاذبات السياسية التي رافقت المنطقة خلال العقدين الماضيين.

قاموس القاهرة يتبنى دعم وعودة الدولة الوطنية إلى محيطها العربي، الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أن تولى مهمة قيادة الدولة المصرية عام 2014، وهو يضع استقرار المنطقة هدفاً رئيسياً، فهو أول رئيس مصري يزور بغداد منذ ثلاثين عاماً.

كما أنه هو الزعيم الوحيد الذي زار بغداد مرتين خلال شهرين، فضلاً عن حرصه الشديد على متابعة، ودعم خارطة الطريق الثلاثية «المصرية - الأردنية - العراقية»، التي تهدف إلى تحويل الاتفاقيات وبروتوكولات العمل بين القاهرة وعمان وبغداد إلى خطط عملية على أرض الواقع، رسالة القاهرة بشأن عودة استقرار العراق.

جاءت قاطعة وفاصلة، الرئيس السيسي تحدث في كلمته بشكل مباشر إلى الشعب العراقي، مطالباً إياه بضرورة الحفاظ على دولته، والعمل من أجل استعادة العراق لدوره العربي والإقليمي.

الخطوات والدلالات التي قالتها قمة بغداد، تقود إلى مستقبل مليء بالتفاؤل لكل شعوب المنطقة، وإذابة الجليد بين القادة والزعماء الذين شاركوا في هذه القمة، لا بديل عن التهدئة والسلام، والبحث عن المصالح المشتركة، واستكشاف القيم المضافة التي يتمتع بها العراق، ودول الإقليم.

فالتحديات كبرى، والإرهاب لا يزال يمثل خطراً وجودياً، المعركة طويلة الأمد، الخلافات العربية - العربية تمثل فراغاً استراتيجياً، تحاول التنظيمات الإرهابية القفز من خلاله، فضلاً عن محاولات قوى أخرى، تريد أن تملأ الفراغ الذي خلّفه الخروج الأمريكي من العراق، أو بعض العواصم العربية الأخرى.

ما حققته قمة بغداد، يجب أن يتم البناء عليه داخل العراق، سيما أن بغداد على مشارف إجراء انتخابات برلمانية في العاشر من أكتوبر المقبل، ومن ثم، فإن الحسابات التي سوف تتمخض عن هذا البرلمان، لابد أن تكون داعمة ومكملة لنتائج هذه القمة.

 

الطريق أمام عودة بغداد بات ممهداً، لكنه يحتاج إلى قدر كبير من الإرادة والحكمة السياسية، هذه المرة لن تتحمل بغداد أي تصدعات في جدار المحطة التي وصلت إليها، وهذا ما يفرض على جميع الذين شاركوا في هذه القمة مواصلة دعمهم للتوجه العراقي نحو الاستقرار، والانخراط الإيجابي تجاه دول الإقليم.

 

أخيراً أؤكد أن بغداد تستحق منا الكثير، وأنه لابد من قراءة المتغيرات الجديدة، ليس فقط في الإقليم العربي، لكن في كل إقليم الشرق الأوسط والعالم، وبالتالي فمن الواجب على الأمة العربية أن تسابق الزمن لإغلاق أي أبواب تسعى لخلخلة الخرائط التي عاشتها المنطقة منذ عام 2011.

 

*رئيس تحرير «الأهرام العربي»

 

Email