مشاريع الخمسين وصناعة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين يمتلك الإنسان الفرد القدرة على استشراف المستقبل يكون ذلك أمارة من أمارات العافية والقوة الذاتية، وهذا الحكم الذي نصدره على الإنسان الفرد صالحٌ لإصداره على الدولة الكبيرة والحضارة الكبرى، فالقدرة على استشراف المستقبل، فضلاً عن التصميم على صناعته، هي في جوهرها تعبير عن الشعور بالقوة الذاتية والثقة الرصينة بالنفس.

وعلى العكس من ذلك تماماً؛ فإنّ الإنسان المهزوز، وكذا الدولة المهزوزة، يتعثّران في أذيالهما عند الحديث عن الحاضر الراهن، فكيف إذا اقتربا من الحديث عن المستقبل، والنتيجة هي أنّ من كان عاجزاً عن إدارة حاضره بكفاءة واقتدار، فهو أكثر عجزاً عن استشراف مستقبله، فضلاً عن صناعته ورسم الخطط الكبرى لضمان مسيرة التقدم والإنجاز.

في هذا السياق المحتدم النشيط من الاهتمام بقضايا الوطن ومسيرته التنموية، يواصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إنعاش الروح الوطنية من خلال الكشف عن كثير من المشروعات الكبرى، التي ستكون ذات أثر إيجابي وعميق وجوهري على الحياة الاقتصادية بشكل خاص، والحياة العامة بشكل عام، بعد موجة ركود وانكماش أصابت جميع دول العالم بفعل وباء «كورونا»، الذي عطّل مسيرة الحياة بشكلٍ كامل،.

واحتاجت البشرية إلى وقت، ليس بالقصير، للتعافي التدريجي من آثاره الناجمة عن تعطيل عجلة الحياة، وكانت دولة الإمارات سباقة في أخذ زمام المبادرة والاندفاع نحو مدارها الخاص بها، الذي يعبّر عن ذاتها وتصميمها على الخروج من هذه الأزمة الإنسانية الشاملة بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن.

فقبل يومين كتب صاحب السمو الشيخ محمد راشد بشارة كبرى لشعب الإمارات بخصوص افتتاح معرض «إكسبو 2020 دبي»، الذي هو واحد من أكبر المعارض العالمية، بل هو الحدث الأكثر روعة في العالم، وما تحمله هذه البشارة من تنظيم دولة عربية لهذا المعرض، الذي ستحضره 191 دولة من مختلف دول العالم، فضلاً عمّا سيكون لذلك من الأثر الاقتصادي الكبير على الاقتصاد الوطني، وها هو سموه اليوم يكتب بشارة من نوع خاص على حسابه الرسمي في «تويتر»، تحمل إعلان حزمة مشروعات اقتصادية كبرى، سيكون لها أكبر الأثر في تحريك عجلة الاقتصاد، وسيتم إعلانها خلال شهر سبتمبر الجاري، لتكون هذه التدوينة الرائعة نوعاً من التشويق الروحي لأبناء الوطن، الذين يتابعون كتابات سموه بشغف واهتمام؛ نظراً لما تنطوي عليه دائماً من الأخبار السارّة، التي تغذّي الإحساس بجمال الحياة، وتنعش الروح العامة للشعب، الذي يثق بقيادته، ويسير خلفها بكل ثقة واطمئنان.

وبنبرة ملؤها العزيمة والتفاؤل كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التدوينة التالية: «الإخوة والأخوات.. نبدأ موسمنا الحكومي الجديد في الإمارات هذا العام بطريقة مختلفة..

بعد التشاور مع أخي محمد بن زايد سنعلن عن 50 مشروع وطني بأبعاد اقتصادية خلال شهر سبتمبر..»، فبهذه اللغة الأخوية الكريمة أطلّ سموه على مواطني الدولة، وأسعد قلوبهم بهذا الخبر السار، الذي تم اتخاذه بالتشاور مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليظل اجتماع المحمدين دائماً فأل خير على الوطن، حيث أعلن سموه عن بداية جديدة ونوعية ومختلفة للحكومة، تقوم على طرح 50 مشروعاً وطنياً ذات أبعادٍ اقتصادية مدروسة، تعود بالنفع العام على المواطنين، وتحرّك حالة السكون والركود التي أصابت جميع المؤسسات الفعّالة في دول العالم كافّة.

ولعل هذا الرقم الكبير من المشروعات قد تمّ اختياره من أجل استيعاب جميع مسارات الإنتاج والعمل في الدولة؛ كي يستفيد منها أكبر قطاع ممكن من المواطنين، الذين طال انتظارهم لمثل هذه الخطوة الجريئة، ويترقّبون بشوق ولهفة للخامس من الشهر الجاري بانتظار إعلان طبيعة هذه المشروعات، التي تحمل كل الخير والنفع لأبناء هذا الوطن الطيّب الجميل.

أما الفقرة الأكثر أهمية في التدوينة الثمينة، فهو ما ختم به سموه، حيث قال: «الإمارات لا تملك ترف الوقت ولن تنتظر الظروف العالمية أن تصنع مستقبلها.. بل تصنعه بنفسها.. البداية 5 سبتمبر»، حيث انتقل إيقاع الكلام من إيقاع البشارة إلى إيقاع نمط جازم يحمل في طيّاته العزيمة الماضية على تجاوز الظروف الراهنة بقرارات جريئة، إذ ليس من سياسة الإمارات انتظار ضربة الحظ لصنع مستقبلها، ولا الارتهان للظروف العالمية لكي تكون قادرة على اتخاذ قرارها، ففي الإمارات رجال وقادة هم أهل قول وفعل، ويعلّمون الناس كيف تكون القرارات.

ولا ينتظرون الإذن من الظروف كي تسمح لهم بالتفكير في مستقبلهم، وهذا هو سر تقدّم هذا الوطن وقدرته على تجاوز الأزمات والعقبات، التي تعصف بالعالم من حولنا، فهي تصنع مستقبلها بنفسها، وبخصوص هذه المرحلة الصعبة فإنّ هناك موعداً محدّداً، هو الخامس من هذا الشهر الجاري، حيث سيتمّ إعلان إجراءات الدولة الاقتصادية الكفيلة بتغيير الأوضاع ودفع عجلة التقدم والنموّ.

في الفصل الـ24 من كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الذي يحمل عنوان «وزراء للتسامح والسعادة والمستقبل، لماذا ؟» تحدّث سموه عن أهمية التفكير في المستقبل وفلسفته في منظومة الحكم في الإمارات، حيث جزم سموه بأننا دولة تتعلّم كل يوم، ومع كل درس نتعلّمه لا بدّ أن نأخذ قرارات تطوّر مستقبلنا.

وعلّل ذلك بأنّنا نتعلّم من المستقبل أيضاً وليس فقط من التاريخ، ثم كشف سموه عن خطط الدولة في مواجهة المستقبل من خلال حزمة مشروعات كبرى، هدفها التفكير بما بعد اقتصاد النفط، وصياغة تشريعات جديدة قادرة على تجاوز تشريعات الاقتصاد المعتمد على النفط، مؤكداً سموه أنه لا بدّ من وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء اقتصادات مستدامة لأبنائنا وأبناء أبنائنا، ثم ختم سموه حديثه الشيّق عن روعة المستقبل بقوله: «نعم نحن مغرمون بالمستقبل، وبما يحمله، فالمستقبل يحمل تغييرات عظيمة في الصحة وطرق التعليم وفي إدارة مدن المستقبل وفي الخدمات الذكية.

وفي التنقل المستقبلي وفي الطاقة المتجددة وفي الفضاء»، ليكون هذا الكلام الثمين الذي قاله سموه قبل 4 أعوام، هو البذور القوية الصالحة، التي تشقّ أكمامها أمام ناظرينا في هذه الأيام، التي تشهد تسارعاً ملحوظاً في جميع مسارات التنمية على أرض هذا الوطن، الذي يستحقّ المحبة والبذل والعطاء.

Email