ارفعوا أيديكم عن تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يفوّت الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن أي فرصة، في كل خطوة يدنو منها، لكى يثبت لنا نحن شعوب المنطقة العربية، أنه امتداد لإدارة «بارك أوباما»، الذي ظل نائباً له ثماني سنوات، انتهت بفضل عونه وعزيمة رئيسه، ودول المنطقة تتساقط واحدة تلو الأخرى، تحت أقدام جماعة الإخوان الفاشلة وأنصارها من القوى المتاجرة بالأديان والأوطان.

ها هو بايدن يتخذ منهج أوباما في ممارسة الضغوط والحيل والألاعيب، لمنح قبلة الحياة، للمكانة الشعبية المتراجعة للتيارات الدينية المتشددة، للبقاء في المشهد السياسي في المنطقة، ومواصلة الفوضى التي تقودها منذ العام 2011 تحت مظلة خادعة، أسمتها واشنطن بالربيع العربي.

وفي هذا السياق تمت مؤخراً زيارة الوفد الأمريكي برئاسة مساعد مستشار الأمن القومى لتونس، في أعقاب ثورة التصحيح، التي قادها الرئيس التونسي قيس سعيّد لإنقاذ بلاده من مخطط الفوضى المفروض عليها منذ عشرة أعوام.

أما السياق فهو إصرار الإدارة الأمريكية على مد يد العون، والمساعدة لجماعة الإخوان وأنصارها، برغم الفشل الذي منيت به في كل من مصر والسودان وكذلك تونس، فالزيارة تحفل بالمراوغة والتضليل، وهي تمتطي جواد الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

بينما الهدف الفعلي لها هو إنقاذ حركة النهضة الإخوانية، وزعيمها راشد الغنوشي، ليس من المساءلة القضائية عن ملفات فساد متهم فيها نوابه ووزراء حزبه، وجرائم جنائية بينها الاغتيال السياسي، فحسب، بل أيضاً ممارسة كل أشكال الضغط لإبقائه في المشهد السياسي، أو السماح- إذا ما تعذر ذلك - بإخراجه من البلاد، كما ذكرت ذلك بعض المواقع الإخبارية التونسية!

الوفد الأمريكي، الذي كان يحمل رسالة من «بايدن»، كشف عن هدفه المباشر، وبعد أن لاك حديثه عن الحريات والديمقراطية، طالب الرئيس التونسي بالعودة إلى البرلمان المنتخب، ولا معنى لذلك المطلب سوى إرجاع الأوضاع في تونس إلى ما كانت عليه قبل حركة التصحيح التي قادها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو من الشهر الماضي.

وقد بدأت تلك الحركة بتجميد عمل البرلمان الذي تسيطر عليه مجموعات مصنوعة تقودها حركة النهضة، وسحب الحصانة النيابية من أعضائه، وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه بنفسه قطاعات السلطة التنفيذية، لحين تشكيل الحكومة الجديدة.

ولم تتوقف الحركة التصحيحية عند ذلك، بل امتدت لتشمل تطهير القضاء من عناصر جماعة الإخوان، وفتح ملفات الفساد والرشوة التي نهبت المال العام، وأوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس، وقضايا التمويل الأجنبي في الانتخابات، وتسريع عمليات التطعيم بدعم القطاع الطبي باللقاحات والمعدات، بعد أن أدى الإهمال المتعمد في التعامل مع الجائحة إلى موت أكثر من عشرين ألف مواطن تونسي، فضلاً عن إعادة القطاعات الإنتاجية إلى العمل، وغيرها من الخطوات، التي تستعيد بها مؤسسات الدولة التونسية عافيتها.

وإذا كانت واشنطن لا تتعلم من تجاربها الفاشلة، ومن رؤيتها السطحية التي تختزل الديمقراطية في صندوق الانتخاب، فإن زمن ممارسة الضغط للتمسك بها، قد ولى، بعد أن وعت شعوب المنطقة أنه لا ديمقراطية بلا دولة مؤسسات قوية وراسخة، يقودها حكم وطني كفؤ ورشيد، يضمن حريات الرأي والتعبير والعقيدة والنساء، واستقلال القضاء، والتداول السلمي للسلطة، ويحافظ على حقوق المواطنة، التي تساوي بين الجميع أمام سلطة القانون، وتحفظ حقوقهم المشروعة في العمل والتعلم والعلاج والعيش الكريم. كما أدركت أن ديمقراطية الصندوق، قد فرشت الطريق بالورود لصعود جماعة الإخوان إلى السلطة في كل من مصر وتونس.

لا يحتاج الرئيس التونسي قيس سعيّد، وهو أستاذ القانون الدستوري، إلى دروس في الحريات الديمقراطية والدستورية، و لا يحتاج إليها كذلك الشعب التونسي، الذي أذلته حركة النهضة وأجاعته، خلال عقد كامل من انفرادها بالحكم والمشاركة فيه.

التونسيون دعموا بقوة، الثورة التصحيحية التي قام بها رئيسهم، ومنحوه بذلك شرعيتها، لاستعادة بلدهم من خاطفيها في حركة النهضة، التي تعمل لمشروع أممي يقوده التنظيم الدولي للإخوان، لا علاقة له لا بالشعوب، ولا بالدولة الوطنية.

لا عودة إلى الوراء كما يؤكد الرئيس التونسي، ولا حوار مع من أجرم في حق تونس كما قال، أما الشعب التونسي فقال بدوره كلمته، لا أهلية ولا مجال لحركة النهضة في مستقبل البلاد، والأرجح استجابة سعيّد لمطلبه بحل البرلمان، لا تجميده فقط، فضلاً عن إجراءات أخرى لدعم مؤسسات الدولة والحكم، وحمايتها من الهشاشة ومن المغامرين، فارفعوا أيديكم عن تونس، وكما يقول المثل المصري: و«نقّطونا بسكاتكم»!

* رئيس تحرير صحيفة الأهالي المصرية

 

Email