غيمةُ الخير في لقاء المُحمّدَيْن

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ فجر التاريخ، والغيمة هي علامة البُشرى للإنسان، يراها فيبتهج بها قلبه، وتفرح لها روحه، لِما عَرف من سُنة الحياة، أنّ الغيمة هي بشارة الخير بنزول الغيث، وهذا المعنى الحسّي الحقيقي للبشرى، غير مقتصر على الغيمة، بل هو صالح لكل بشارة تلوح في الأفق، لا سيّما حينما يتولّى زفّ البشارة من يُحسن اختيار الوقت المناسب والمكان الأنسب، ليكون لها في النفس أعمق التأثير وأروع الأحاسيس.

مثل صقرَيْن جليلَيْن، وبمشاعر أخوين متآلفَيْن، وتحت شجرة وارفة الظلال، ناصعة الخضرة والبهاء، في قلب عاصمة الدولة (أبوظبي)، جلس المحمّدان: صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان وليّ عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليتشاورا في شؤون هذا الوطن، الذي يحملان همومه، منذ أن عهد لهما بهذه الأمانة، شيخ الشيوخ، وسيد الرجال، وباني البلاد، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، رحمه الله، الذي غادر هذه الدنيا، وهو يوصيهما بالبلاد والعباد خيراً، وأن تظلّ الإمارات شامخة الهامة، مرفوعة اللواء، عزيزة الجانب، رافلة بأثواب العز والمجد، وأن يظل كل إماراتي، وكل من يعيش على أرض الإمارات، بحبّ وانتماء، متنعّماً بأرقى مشاعر الأمان والسكينة والمحبة والسلام، فما خيّب هذان الفارسان لشيخ الوطن ظنّاً، وحملا هذا العبء الثقيل، بكل رجولة وعزيمة واقتدار، وبلغا بالوطن كلّ المنى والغايات التي كان زايد يتمنّاها ويتغيّاها، حتى غدت الإمارات واحة أمن، ومضمار حضارة، ودولة إنجاز وعمل وتقدم وازدهار.

وتخليداً لهذا اللقاء المَهيب، بين فارسي الوطن، كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، على حسابه في إنستغرام، التدوينة الثمينة التالية: «أثناء لقائي اليوم مع أخي محمد بن زايد في أبوظبي، اطّلعنا واعتمدنا دورة جديدة من المشاريع الاستراتيجية لدولة الإمارات. مرحلة جديدة من النمو الداخلي والخارجي، سنبدأها قريباً، ونبشّر شعبنا بالقادم الجميل، وبأن يتفاءل بمستقبل ودولة، فيها محمد بن زايد وإخوانه».

إنّ هذه التدوينة المكتوبة بلغة المحبة والإخاء، هي في حدّ ذاتها بشارة عميقة المغزى لكل إنسان يعيش في هذا الوطن الزاهي الجميل، فما أروع الإحساس الصادق بوجود علاقة متينة وثيقة بين رجال الحكم في الدولة، فهذا هو صمام الأمان الأوّل، بعد توفيق الله تعالى، وكم تغمرنا مشاعر السعادة الصادقة، حين نرى قادتنا يخطّون لنا هذه المسارات الآمنة في السياسة والحكم، لا سيّما حين ننظر حولنا، فنرى بلاداً عربية شقيقة تمزّقها الخلافات، ويجفّف منابع السكينة فيها كثرة النزاعات، وتُهدر فيها الثروات والطاقات، وينعكس ذلك كلّه بالنتائج السلبية على الإنسان الضعيف، الذي يدفع ثمن الصراع على السلطة، لكنّ دولة تأسّس بنيانها على الإيثار منذ نشأتها الأولى، وتكاتفت سواعد أبنائها على العطاء والبذل، ستظلّ بعون الله محمية من غائلة التفرّق، وستظل قادرة على إسعاد شعبها الذي ينظر إليها بعين الفخر والاعتزاز، وحين يكتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، كلمة «أخي»، في حق صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، فهو يعني ما يقول، وهو يعلم كم يكون لهذه الكلمة من التأثير الطيب في قلوب أبناء شعبه، الذين يفتخرون بصفاء قلبه، وكريم إخائه، ومتانة العلاقة التي تربطه بأبناء الشيخ زايد، رحمه الله، ذلك الخال الجليل، الذي ورث منه بو راشد أكرم الشمائل، وأخذ عنه أروع المناقب، فكان ثمرة ذلك كله، ما نراه ونشهده من بركة الوحدة، وزينة التآلف الذي يعود على بلدنا بكل خير ومسرّة وهناء.

إنّ الثمرة اليانعة لهذا اللقاء الأخوي الكبير، هو هذه البشارة الزاهرة، التي يفوح عطرها من خلال كلمات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الذي بشّر أبناء الوطن بانطلاقة واثقة جديدة، نحو دورة عمل وإنجاز جديدة، بعد التعافي من جائحة «كورونا»، ودوران عجلة الحياة في البلاد والعالم، وهذا يعني أن الإمارات ستعود إلى نشاطها المعهود، من حيث ابتكار المشاريع، وتحقيق مستويات متقدمة في النمو الداخلي والخارجي، وضخّ دماء جديدة قوية ونشيطة في عروق الحياة، لكي تعود البلاد إلى طبيعتها، التي هي جزء من كينونتها، فالإمارات دولة نشطة، وشبابها متلهّف للإبداع، وفرق العمل التي تسيّر دفّة الحياة، قد اشتاقت إلى إيقاعها العملي القديم، فالعمل هو جوهر الحياة، والبشارة هي سرّ النشاط، وهذا هو منهج القادة الشجعان، الذين يعرفون كيف يحرّكون الساكن، ويزرعون الخضرة الجميلة في قلب الواحات، ويسقون شجرة الأمل في القلب، كي تظل وارفة الظلال، فالأمل هو سر الحياة والعمل، ولا شيء يقتل الروح المعنوية للشعب والأمة، مثل تسلل مشاعر اليأس والإحباط، وهو الشيء الذي تحاربه القيادة بلا هوادة، فالحلم والأمل والنشاط والتجدد، هو سرّ هذا الشعب، الذي كتب مع قيادته أروع قصص الإنجاز والإبداع والتقدم والعطاء.

في القصة الخامسة والأربعين من كتاب (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً)، كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، قصة من ذَوْب قلبه، في وداع سيد البلاد، الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، سماها «رحيل زايد»، وحين شارف على نهايتها، ختمها بهذا القول المؤثر البليغ، الذي تتردد أصداؤه في تدوينة اليوم، حيث يقول: «حتّى في رحيله، ترك لنا زايد حكمة عظيمة، ما مات من بنى أوطاناً، ما مات من خلّف قادة ورجالاً، ما مات من صنع معروفاً، وما مات من صنع أجيالاً»، وها هو اليوم يعيد الفكرة بصياغة أخرى، حين يقول: «ونبشّر شعبنا بالقادم الجميل، وبأن يتفاءل بمستقبل ودولة فيها محمد بن زايد وإخوانه»، لتظلّ الإمارات تحت ظل هذه القيادة، النموذج الأرقى في متانة العلاقة بين رجال الدولة، والنموذج الأصفى في قوة الثقة بين القيادة والشعب، فطوبى لهذا الوطن المحظوظ بهذا النمط النادر من الرجال، الذين يجعلون من أنفسهم قدوة ومنارة للأجيال القادمة، التي ستحمل معهم الراية، وتحدو ركب الوطن بالغناء والحُداء، والعمل والإنجاز.

Email