أخلاق الرحماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لفتة إنسانية كريمة إلى فعلٍ إنساني كريم جوهره الرحمة، ودافعه نُبل الإنسان، كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، على حسابيْه في تويتر وإنستغرام التدوينة الثمينة التالية: «الراحمون يرحمهم الرحمن، فخورٌ وسعيد بكل مظهرٍ للرحمة في مدينتنا الجميلة، مَنْ يعرفهم يدلّنا عليهم لنشكرهم».

لقد كتب صاحب السموّ هذه الكلمات الفيّاضة بالمحبة بدافع الفخر والشعور الصادق بالسعادة حين رأى مجموعة من المقيمين بمدينة دبيّ يتعاونون فيما بينهم على إنقاذ هرّة صغيرة (قطّة) وقعت من طابق عالٍ في إحدى العمارات، فما كان منهم إلا أن استقبلوها بالرحمة والعناية التي ضمنوا معها سلامتها من الموت، فكان لهذا الحدث أطيب الأثر في نفسية صاحب السموّ الذي يتابع حركة الحياة في دبيّ بكل تفاصيلها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويثني على المُحسن، ويُنبّه على مواطن الخلل، لكي تظل مسيرة البناء والإعمار منطلقة في مسارها الصحيح الذي تأسّس على الحس العميق بالمسؤولية الأخلاقية قبل كل شيء وبعده.

وتذكّرنا هذه التدوينة المفعمة بالحس الإنساني لدى صاحب السموّ بما كان قد كتبه قبل حوالي عشرة أشهر وتحديداً في 21/11/2020م حين لفت نظره ما قامت به فتاة من الاتصال ببلدية دبيّ لإنقاذ طائر كسير وجدته على شاطئ دبي، فتحركت فيها مشاعر الرحمة والإنسانية وبادرت بهذا الاتصال الذي وجد كل احترام من بلدية دبي، وقامت مشكورة بعمل الواجب من حيث العناية بهذا الطائر الكسير، فما كان من صاحب السموّ إلا أن احتفى بهذا الموقف الأخلاقي النبيل، وكتب على حسابه الكلمة التالية: «رولا: الراحمون يرحمهم الرحمن، شكراً لقصتك الجميلة، شكراً لبلدية دبيّ، ونسأل الله أن يُديم رحمته على هذا البلد الطيب، لا قيمة لأية حضارة بدون قِيَم، قيّم تُعطينا معنى الإنسانية» ؛ ليجتمع من هذه المواقف المضيئة لصاحب السموّ تراث رائع الدلالة على رسوخ خُلُق الرحمة في قلبه الحاني الكبير، هذا القلب الذي ورثه عن والدين صالحين غرسا في قلبه كل معاني السموّ الإنساني، وعلّماه منذ طفولته أنّ قيمة الإنسان هي أخلاقه ومحبة الناس له، فما خيّب لهما صاحب السموّ ظنّاً، بل مشى على طريق آبائه ولم يسمح لبريق الحياة وزخرفها أن يسحب من قلبه هذا الشعور العميق بالرحمة الذي يتجلّى في صفاته وسلوكه مع أبناء شعبه حين يواسي ضعيفهم، ويغيث ملهوفهم، ويجلس إلى فقرائهم، ويستمع بكل قلبه إلى مطالبهم، لا يدفعه إلى ذلك سوى إحساس متجذر في أعماق قلبه ووجدانه بالرحمة للإنسان القريب والبعيد، ولعل القارئ الكريم غير ناسٍ للجهود الكبيرة لصاحب السمو من خلال مبادراته المباركة في التخفيف من أوجاع الإنسانية المنكوبة بالجوع والمرض والفقر والتشرد، حيث يسجل صاحب السموّ أروع المواقف في هذا المجال الذي أصبحت به بلدنا الإمارات في طليعة الدول التي تهتم بمشكلات الإنسان بدافع الرحمة والشعور بالألم الإنساني المشترك.

إنّ الإفصاح عن مشاعر الرحمة هو سلوك رشيد نابع من صلب ديننا السمح الحميد، وكم حفظت لنا سيرة المصطفى المكرّم سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم من المواقف التي تحكي قصة الرحمة لكل الأشياء، وبخصوص رحمة الحيوانات على وجه الخصوص، فقد بشّرنا الحبيب المصطفى بأنّ في كل ذات كبد رطبة أجراً، وهذا أكثر ما يكون في الحيوانات التي لا تستطيع الإفصاح عن حاجاتها، وذكر لنا صلّى الله عليه وسلّم من أخبار السابقين من الأمم أنّ الله تعالى غفر لرجلٍ سقى كلباً في يوم شديد الحرّ، وأنّ الله تعالى عذّب بالنار امرأة حبست هرّة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وروى الإمام الطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمّرةً تطير فوق رؤوس أصحابه، فقال: «مَنْ فَجع هذه ؟» فقال رجل من الأنصار: أخذتُ بيضاتٍ لها، أو فرّوخاً، فأمره بردّها.

إنّ خلق الرحمة هو فضيلة الإنسان الكبرى، وحين تخلو الحياة من هذا الخلق العظيم تصبح قاسية باردة، وما دامت القلوب نابضة بهذا الخلق الأصيل فستبقى الإنسانية بخير وعافية، وحين يشكر صاحب السموّ مثل هذه المواقف الرحيمة فهو إنما يرسّخ بهذا السلوك القيمة الأخلاقية للإنسان، ولا يكتفي بمجرد الإشادة بهذا الخلق بل يريد له أن يكون هو السائد في بلادنا الحبيبة التي تفتخر وتزهو بما جُبل عليه أهلها من حب الخير والمبادرة إلى مساعدة المحتاج، استلهاماً لتعاليم ديننا العظيم، واقتداء بالشيوخ الكبار الذين أسسوا هذه الدولة على الرحمة والحزم والحكمة، وتأكيداً على مواصلة السير في هذا الطريق الإنساني النبيل، فشكراً ثم شكراً لصاحب السموّ الذي لا نزال نتعلّم منه كل يوم مزيداً من دروس الحكمة والنبل والعطاء.

Email