نعمة الوطن لمن اعتبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنَّ المتأمل فيما يجري من أحداث في العديد من الدول والمجتمعات ليدرك حقّاً نعمة الوطن التي هي من أعزِّ النعم وأغلاها، ونعمة الأمن والاستقرار، ونعمة القيادة الحكيمة الرحيمة، هذه النعم التي فقدها الملايين من البشر، وحُرموا منها، حتى تكالبت عليهم الأزمات من كل جانب.

والسعيد من اعتبر بغيره، فعرف قدر هذه النعم، فعضَّ عليها بالنواجذ، وحافظ على أسبابها، وتجنَّب الفتن والمحن التي أودت بالمجتمعات الأخرى، وأخذ الدروس والعبر من ذلك كله، ومن أهمها أن الوطن الآمن المستقر المزدهر نعمة لا تضاهى، وكنز ثمين يبحث عنها الملايين في كل مكان لينعموا بالحياة الكريمة، ومن رُزق هذه النعمة فقد رُزق خيراً كثيراً، وجدير به أن يعرف قدرها، ويرد الجميل لوطنه، حبّاً وولاءً وانتماءً وجدّاً واجتهاداً ومثابرةً على نهضته ورقيه وازدهاره.

نعم! كم هو مؤلم حقّاً ما يجري في بعض المجتمعات من نزاعات وأزمات وأحداث مؤلمة تتفطر لها القلوب، لقد رأينا ما يجري في بعض المجتمعات من تجمع الحشود الغفيرة من أبناء البلد، وهم يتسابقون إلى مغادرتها، ويفترشون الأرض ليل نهار ليظفروا بمكان ما على طائرة تقلهم بعيدا عنها، أُسَرٌ وعوائل تتقافز من فوق الأسوار، أمهات يرمين أطفالهن من فوق الأسلاك الشائكة، مئات يفترشون متن طائرة شحن هاربين من بلدهم، شباب في ريعان حياتهم يتعلقون بعجلات الطائرات أملاً في الوصول إلى بلد جديد، ثم يتهاوون من الارتفاعات الشاهقة ليصلوا إلى الأرض جثثاً هامدة، وقد خبت آمالهم وانقطعت أمنياتهم، مناظر لم يشهد العالم لها مثيلاً، أما في ذلك عبرة لمن يريدون هدم الأوطان والتحريض ضدها؟!!

إن مثل هذه الأزمات والظروف العصيبة لا تقتصر على مجتمع واحد فقط، فقد رأينا مجتمعات أخرى وقد عصفت بها الأزمات الخانقة، وتكالبت عليها المشكلات حتى ضاق أهلها ذرعاً بذلك، فمن أزمة الوقود والمحروقات والكهرباء، إلى أزمة المياه التي تهدد الملايين منهم بالعطش، إلى أزمة رغيف الخبز، طوابير تنتظر، وملايين يعانون، واضطرابات وتشاحنات ومشكلات لا تجد حلاًّ، فهل من معتبر؟!

وبإزاء ذلك أيضاً مجتمعات أخرى لا تزال منذ ما سمي زيفاً بالربيع العربي تعيش دوامة الصراعات والحروب والانقسامات الداخلية، أكثر من عشر سنوات متواصلة من النزاع الدموي المستمر، الذي أدى إلى آلاف القتلى، وخلَّف آلاف المشردين والمهجرين واللاجئين من أطفال ونساء وشباب وشيوخ، أطفال حُرموا التعليم، وعوائل تفرقت، وملايين يكافحون كل يوم من أجل لقمة عيش قليلة تسد رمقهم، أليس في ذلك كله عبرة لمن كان له عقل؟!

إن الحديث عن أحوال وظروف تلك المجتمعات لا يحيط به مقال، وهو واقع معاين، لا يخفى على أحد، آملين أن تزول هذه الأزمات والكروب، ولكن في طيات هذه الأحداث عبر وعظات للعقلاء، يقفون عندها بقلوب واعية، وبمقدار ما يرون في تلك الأحداث من ألم وكرب يرون أيضاً بعين الشكر والرضا والعرفان ما يعيشونه من نعم ومنن، وما أعظمه من نعمة أن يعيش الإنسان في وطنه في عز وكرامة، آمناً على نفسه وأهله وأولاده، ينعم بالرفاه والازدهار، وهو يرى حال تلك المجتمعات، وما تعانيه من بؤس وعناء.

أين عقول الذين يحرضون ويتآمرون ضد أوطانهم، ويسعون لهدم أمنها واستقرارها، أما لهم فيما يجري هنا وهناك معتبر؟! أما يجدون في أنفسهم ذرة شجاعة وعقل ليرجعوا عن غيهم فيعرفوا قدر نعمة الوطن ويخلعوا نهجهم التحريضي؟! أم أنهم أضحوا رهائن أحزابهم وتنظيماتهم، فلا يرون إلا كما ترى، فلا يعتبرون ولا يتعظون.

إننا إذا تحدثنا عن الأوطان ونعمة الوطن فإنه يحق لنا وبملء الفم أن نفتخر ونعتز بوطننا الغالي دولة الإمارات، هذا الوطن المعطاء الذي هو نموذج مشرق متلألئ بين الأوطان، وهو يرتدي حلل الأمن والاستقرار، وتيجان الرخاء والازدهار، في ظل قيادة حكيمة رشيدة، تعمل ليل نهار على سعادة شعبها وراحتهم، وتوفير أرقى الخدمات لهم، ويخططون ويعملون لتحقيق أفضل الإنجازات لهم، ليكونوا من أسعد الشعوب في العالم، حتى أضحى هذا الوطن المعطاء موئلاً يقصده الناس من كل مكان، لما يجدون فيه من مقومات الحياة الكريمة، والمستقبل المزهر لهم ولأبنائهم.

Email