سيناريوهات المستقبل في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتغيرات سريعة ومتلاحقة، أفغانستان تدخل مشهداً جديداً بعنوان «لعبة الأمم». الزمن كان أسرع من التوقعات، خابت تنبؤات المخابرات الأمريكية، سقطت كابول في يد طالبان، غادر الرئيس الأفغاني أشرف غني. مزيد من الغموض يلف سيناريوهات المستقبل الأفغاني. نجاة الدولة الأفغانية يتطلب الدفع بقوة لتحقيق الاستقرار والأمن بشكل عاجل، يحمي ويصون الحقوق بما يلبي تطلعات الشعب الأفغاني.

عادت لعبة الأمم.. أفغانستان حلقة في مسلسل هذه اللعبة، فتح أبوابها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وألقى مفاتيحها في عرض البحر، لا أحد يستطيع التنبؤ بما هو قادم. كل له مصالحه، الاقتراب خطر، والابتعاد لا يُؤمن المصالح. ردود الأفعال العالمية التي صدّرتها لنا وسائل الإعلام العالمية تقول: إن المواقف تباينت، لم يتمكن أحد من تكوين وجهة نظر، الترقب سيد الموقف، الجزء الغاطس في حقيقة ما جرى، أكبر بكثير جداً من القشور التي تطفو على السطح.

حركة طالبان تعلمت من طبعة الحكم عام 1996، هي تعلن أنها لا تريد تكرار أخطاء تجربتها السابقة، قادتها يقدمون أنفسهم بوجوه جديدة، تصريحاتهم تقول: إنهم يحاولون تغيير الوسيلة. يبادرون برسائل طمأنة في الداخل والإقليم والعالم، ففي الداخل تروّج طالبان لمشروع جديد تقول: إنه سيعطى الفرصة لتوسيع مساحة المشاركة في الحكومة الجديدة، لدرجة وصلت إلى مطالبة الحركة للمرأة الأفغانية، بأن يكون لها دور في المرحلة المقبلة.

وفيما يتعلق برسائل الحركة إلى الإقليم، فإن طالبان قالت: إنها لن تسمح بانطلاق أي عمليات من شأنها زعزعة الأمن القومي لدول الإقليم، لغة طالبان الموجهة للعالم، قادمة من قاموس جديد يراعي المتغيرات العالمية وتوازنات القوى، وهذا يعكس الحرص على فتح مسارات للتعاون، قدمت تصريحات يحب أن يسمعها الآخر، لا سيما التي تتعلق بالحفاظ على السفارات والدبلوماسيين ووسائل الإعلام والجاليات الأجنبية في أفغانستان.

سلمت كابول مفاتيحها دون قتال. سيطرة طالبان لا تحتاج إلى أدلة. السؤال الذي يفرض نفسه الآن، ما السيناريوهات المقبلة في المشهد الأفغاني، وما حوله؟! التحركات في أفغانستان أشبه بلعبة الشطرنج، صراع الإزاحة قائم بقوة، ملء الفراغ على رأس قائمة أولويات الدول العظمى الثلاث، الجميع يسعى إلى تجنب المخاطر، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والأمنية، في ظل مشهد فرض نفسه دون سابق إنذار.

هنا.. استدعاء التاريخ واجب، التجربة البريطانية لم تختلف عن نظيرتها السوفيتية، التي أيضاً لم تختلف مفرداتها كثيراً عن التجربة الأمريكية، ربما تتباين الآليات والظروف، لكن النتائج الاستراتيجية واحدة بعنوان «الإنهاك»، ومن ثم فإنه من الصعب على أي من أصحاب هذه التجارب الادعاء بتحقيق أهدافه في أفغانستان، وبالتالي بمنطق حسابات التاريخ، فإن أي دولة تفكر في العودة إلي أفغانستان ستكون لديها استراتيجية مغايرة هذه المرة، استراتيجية تهدف للحفاظ على الأمن القومي لهذه الدول، وحماية مصالحها من أية مخاطر تهدد استقرارها الداخلي، إذ تأكد لهذه الدول ضمانة تحقيق هذه الاستراتيجية، فأتوقع أنها لن تمانع في التعاون مع حكم طالبان في أفغانستان.

أما السيناريو الآخر فهو حدوث تحول كبير في فكر حركة طالبان، وإعادة تموضعها الفكري والسياسي والإعلامي بشكل يضمن الاستقرار في الداخل الأفغاني وفي الجوار الإقليمي، ومنع أية تنظيمات إرهابية من اتخاذ الأراضي الأفغانية ملاذاً آمناً، بما يشجع المجتمع الدولي على مزيد من الانخراط والتعاون والاطمئنان، وتبديد المخاوف لحين الوقوف على واقع التجربة الجديدة، ومدى تماهي المجتمع الأفغاني معها، بما يفتح صفحة جديدة ومختلفة في تاريخ الدولة الأفغانية، كل هذه السيناريوهات تظل مفتوحة، ورهن التفاعلات الإقليمية والدولية في القضية الأفغانية.

Email