جنود الإنسانية ؛ احترام وتكريم

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أكثر من خمسين عاماً وبزوغ نجمها في سماء الإنسانية، تميزت وعن محبة واقتناع، بتحمّل أكبر الأعباء في العمل الخيري الإنساني، وتجسد ذلك في عدد كبير جداً من المؤسسات والمبادرات التي أسهمت من خلالها دولة الإمارات في تقديم مختلف أشكال المساعدات الإنسانية إلى جميع شعوب الأرض مهما كان انتماؤهم وعِرقهم ودينهم، يدفعها إلى ذلك شعور أصيل بالأخوة الإنسانية في لحظات الحاجة والفقر والمرض والجوع والكوارث الطبيعية، وهو الخِيار الذي ما زالت الدولة تحرص على تنميته وتوسيع آفاقه، بحيث أصبحت دولة الإمارات واحدة من أكبر داعمي العمل الإنساني ممّا حقّق لها سمعة طيبة، وجعلها ملاذاً لكثير من الشعوب الفقيرة المنكوبة التي تلبي الإمارات استغاثتها حين تستغيث، وتقدم أقصى ما يمكن تقديمه في سبيل التخفيف من أوجاع هذه الإنسانية المسكونة بكثير من الويلات والظروف العصيبة التي يحتاج معها الإنسان أحياناً إلى لقمة طعام فلا يكاد يجدها إلا بالمشقة البالغة والانتظار الطويل.

لقد كان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيب الله ثراه، فضل الريادة في تأسيس العمل الخيري الإنساني في بلدنا الحبيب المِعطاء، وكان لإحساسه الإنساني النبيل أكبر الأثر في قيام مجموعة من المؤسسات الفاعلة في هذا السياق، وبعد مغادرته لهذه الدار الفانية ظل أثره الحميد فاعلاً وماثلاً للعيان حيث تجلى ذلك في مبادرة «زايد العطاء» التي اتخذت من شعار «على خطى زايد» برنامج عمل لا يتوقف في سبيل تقديم أفضل أشكال الدعم الإنساني في هذا المجال، وعلى خطى الشيخ المؤسس سار وارث حكمته وصفاء قلبه وروحه، صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، الذي كتب أروع الصفحات في سجلّ العطاء الإنساني النادر، وأنشأ مجموعة ضخمة من المؤسسات الفاعلة في العمل الخيري الإنساني من خلال «مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» كواحدة من أكبر المؤسسات التنموية الموجودة في المنطقة العربية حيث تمّ إنشاؤها عام 2015، ووضعت خطتها للوصول إلى مئة وثلاثين مليون إنسان خلال خمس سنوات، وأبدعت في تقديم النموذج الأرقى في المساعدات الإنسانية والعمل الخيري، وهي دائماً تحت عين صاحب السموّ رعاية وتطويراً وتمكيناً لأنها تعكس رؤيته الإنسانية الواسعة لمفهوم الأخوّة الإنسانية، وتُسهم بشكل فاعل في تقديم الوجه الوضيء لدولة الخير والعطاء الإمارات في عالم يموج بالفقر والخوف والقلق والجوع والتشرد لتكون هذه المؤسسات هي اليد الحانية التي تغيث الملهوف، وتحدب على الفقير، وتطعم الجائع، وتخفف عن المنكوب، في مسيرة راشدة راسخة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.

في هذا السياق من الاهتمام المتواصل بالعمل الخيري الإنساني، وبمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد تدوينة عميقة التأثير على حسابه في «إنستغرام» كشف فيها عن الجذر التاريخي العميق لفكرة العمل الإنساني منذ نشأة الدولة، والانتشار الواسع على الجغرافيا العالمية لهذا النشاط المتميز، والحجم الضخم للإنفاق المالي خلال هذه المسيرة المظفرة للعمل الخيري الإنساني في دولة الإمارات العربية المتحدة.

(العمل الإنساني لغة مشتركة للتراحم بين البشر) بهذا المطلع الرائع افتتح سموه هذه التدوينة الثمينة، مؤكداً من خلاله على الأساس الأخلاقي المتين للعمل الإنساني والمنبعث من الشعور بالرحمة من قلب الإنسان لأخيه الإنسان، ليتمّ ترجمة ذلك من خلال هذا النشاط الإنساني الخلّاق الذي يجسد بقايا الإنسانية في القلب والروح في عصر تجهّم فيه وجه الإنسان لأخيه الإنسان، وطغت المصالح الذاتية على الشعور الجمعي، فكان العمل الإنساني هو اللغة المشتركة بين البشر تعبّر عن أصالة الإحساس بالتراحم، والحرص على الإفلات من مدار القسوة وبشاعة الظلم والتنكر لأوجاع الإنسان المحتاج.

(أتقنتها الإمارات منذ الاتحاد، فأصبحت مركزاً عالمياً للعمل الإنساني) وهذا هو الجذر التاريخي لانطلاق العمل الإنساني في الإمارات بلد الخير والعطاء، حيث تزامن ذلك مع نشأة الدولة وطلوع سعدها في سماء الكون، فقامت بهذا العمل بإتقان لأنها مقتنعة به، وليس مفروضاً عليها، وتمارسه بإحساس المحبّ الذي يدرك القيمة الأخلاقية والإنسانية الرفيعة للعمل الإنساني الذي هو تعبير في جوهره عن عمق الإحساس بالرحمة، ولم يكن دورها جزئياً أو هامشياً أو على استحياء بل انخرطت فيه بكل قوة بحيث أصبحت مركزاً عالمياً للعمل الخيري الإنساني جلب لها السمعة الطيبة والمكانة المتميزة بين الأمم والشعوب، وأصبحت محل ثقة المجتمع الدولي، وملاذاً للإنسان المكسور والجائع المتضوّر والشريد المقهور.

(أكثر من 80 مؤسسة إنسانية عالمية، و320 مليار درهم إجمالي المساعدات منذ قيام الاتحاد) وإذا كان ما مضى من كلام صاحب السموّ تنويهاً بالأساس الأخلاقي للعمل الخيري الإنساني، فإنه في هذا المقطع يقتحم عالم الأرقام ليكون ذلك شاهد صدق على ضخامة المنجز الإماراتي في هذا المجال، حيث تمّ إنشاء ثمانين مؤسسة إنسانية عالمية تتولى تنفيذ جميع المشاريع التي يتمّ التخطيط لها والتي تحتاج إلى فريق ضخم من العاملين والمتطوعين، وإلى إنفاق كبير تجلى في هذه المبالغ الكبيرة التي تقترب من سبعة مليارات درهم في كل عام بمعدل أكثر من خمسمئة مليون شهرياً، وهو إنفاق متميز لا تطيب به إلا نفوس كبيرة تعرف قيمة العمل الإنساني ومدى تأثيره في رفد مسيرة الوطن، وهو خلق وسلوك جسّده الباني الأول الشيخ زايد، رحمه الله، الذي كان بحراً في البذل والعطاء، وكان لا يخالجه أدنى شكّ أن الله تعالى سيعوض على الإمارات خيراً مما تنفق، فقد كان رجلاً عميق الثقة بالله، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، رحمه الله ونوّر روحه وضريحه.

(جهود جبارة في أصعب الظروف وأكثرها تعقيداً بهدف خدمة الإنسان في كل مكان) واستكمالا لجلاء الصورة الناصعة لطبيعة العمل الخيري الإنساني يلقي صاحب السمو ضوءاً كاشفاً عن هذا النشاط الإنساني الرائع، فهو في جوهره نمط فريد من الجهود الجبارة التي تبذل في أصعب الظروف حيث تُختبر طاقات الإنسان ونبله، ولا سيّما إذا تمّ ذلك في ظروف معقدة ليكون ذلك هو الدلالة الصادقة على أن الهدف هو خدمة الإنسان أينما كان في الزمان والمكان.

(في اليوم العالمي للعمل الإنساني نكرّم جنود الإنسانية، الإمارات تمنح الإقامة الذهبية للعاملين في مجال العمل الخيري الإنساني تقديراً لجهودهم وتضحياتهم الكبيرة) واحتفاء بهذا الحدث العالمي يعلن صاحب السموّ وفي ظلال الاحتفال باليوم العالمي للعمل الإنساني عن تكريم هؤلاء الجنود البواسل المجهولين الّذين يعملون بصمت وحبّ وإيثار، فتمنحهم دولة الإمارات الإقامة الذهبية التي يتطاول إليها أكثر الناس تقديراً لجهودهم المخلصة وتضحياتهم التي لا تُقدر بثمن، وهو تكريم يرمز إلى الشجاعة الأخلاقية لهؤلاء الأشاوس الذين يتحملون ويبذلون من دون أدنى شعور بالمنّة أو الرغبة في الظهور لكنهم يعملون بصمت وتضحية وكرم أخلاق.

(أحبّ أن أشكر جميع الموظفين والمتطوعين اللي يعملون في المبادرات الإنسانية)، ثم كانت هذه الخاتمة الجليلة التي تلخص الموقف الأخلاقي لصاحب السموّ من جهود هؤلاء الأبطال حيث تقدم إليهم بالشكر النابع من قلب يعرف قيمتهم ويقدر جهودهم، ويفتح أمامهم دروب الخير والعطاء في بلد الخير والمحبة والعطاء، لتظل الإمارات كما أراد لها رجالها الكبار في طليعة الدول التي تبذل عن محبة وطيب خاطر، وتقدم أرقى أشكال الدعم والمواساة للإنسان على اختلاف المكان والزمان، وتثبت للعالم أجمع أنّنا لسنا عاصمة اقتصادية فقط، بل عاصمة إنسانيّة وحضاريّة.

Email