مدرسةُ السعادة والأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل إطلالة الصباح التي تحمل معها تباشير السعادة والأمل، يطالعنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، بين الحين والآخر بومضاته القيادية الرائعة التي تبعث في النفوس أعمق مشاعر الإحساس بالأمل، والرغبة الصادقة في الإنجاز والإبداع والعمل، ولا غروَ في ذلك، فسموّه زعيم مدرسة متوهّجة في العطاء والحكمة والقيادة والتعليم، اصطفى خبرته الثرية من معطيات الحياة العميقة الصافية، وأصغى بقلبه وعقله ووجدانه لحكمة شيوخ الوطن ورجاله الكبار وفي طليعتهم بانيا الوطن ومُشيّدا نهضته الشيخان: زايد بن سلطان آل نهيّان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، وطوّف في هذه الدنيا، واختبر حلاوتها ومراراتها، وتحمّل من الأعباء ما ينوء بحمله الجبال حتى غدا ضمير الوطن وسراجه الوهّاج الذي ينير الدرب للأجيال، ويمنحهم خلاصة تجاربه في هذه الحياة من خلال ما يكتب ويتحدث ويُلهم ويرشد.

في هذا السياق الجميل الجليل، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد ومضة قيادية على حسابه في «إنستغرام» ألقاها بصوته الواثق المتدفق بروعة الإحساس بالمسؤولية القيادية، مصحوباً ذلك كله بمجموعة من الصور التي تعمّق الشعور بقيمة الومضة وتزيد من فاعليتها في النفس، حثّ فيها على القيمة الكبرى في الحياة حين يكون الإنسان ممتلئاً برغبة الحياة، ألا وهي قيمة العمل التي هي الترجمة الحقيقية لكل ما تختزنه الشخصية الإنسانية من الإمكانات والطاقات.

(نحن كلّنا نخدم هذه الدولة)، والدولة في فكر سموّه هي الوطن، وهي القائمة على شؤون إدارته بكل طاقاتها وضمن منظور واضح يطمح إلى تقديم أفضل الخدمات للمواطن، وتعميق الشعور بالولاء لهذا الوطن الذي نتقاسم فيه نعمة الحياة الراقية الآمنة، حيث ينعم أبناء الإمارات بنمطٍ متفرد من أنماط الحياة المادية والمعنوية، ويتغلغل في وجدانهم مفهوم خدمة الوطن كواجب يقومون به بكل مشاعر الفخر والامتنان لبلدهم الذي أحبّهم وأحبّوه، وحين يستخدم صاحب السموّ ضمير الجمع «نحن» فهو يقصد تعميق الحس الجماعي بالعمل لخدمة الوطن، وأنّ خدمة الوطن ليست وظيفة منفصلة عن قيمة الولاء والحب لهذا الوطن الطيب المِعطاء.

(عندك حلم، وعندك رغبة، وعندك طموح، وعندك إرادة، وعندك قدرة، وعندك معرفة، إذا كل هذا عندك تحتاج إلى شيءٍ أخير وهو العمل) بهذه اللغة التشويقية التي تحتشد فيها كل الألفاظ الإيجابية المحفّزة لطاقة الإنسان، وبكل هذا الزخم المقصود من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تتجاور كل المفردات الدالة على الحيوية والإيجابية، فالحلم هو الشرارة الأولى التي تقدح زناد الرغبة، والرغبة هي وقود الطموح الذي لا ينفد، والطموح القوي هو الذي يخلق الإرادة الباسلة التي لا تلين، والإرادة هي التي تستنهض القدرة الكامنة داخل الروح الإنسانية، والقدرة الطائشة الهوجاء لا قيمة لها إلا إذا كانت مؤسسة على قواعد المعرفة، فإذا امتلك الإنسان كل هذه الطاقات فلم يبقَ أمامه سوى الاندفاع كالنهر الهادر إلى ميدان العمل والإنجاز، لأن الطاقات الكامنة لا قيمة لها ما لم تتجسّد على شكل عمل متواصل دؤوب، وإنجاز باهر متميز، لأنّ الأحلام والرغبات والطموحات وما يتعلق بها من فنون الأمنيات لن تكون ذات قيمة أو فاعلية إلا إذا تجسدت واقعاً عمليّاً منظوراً، يكون هو الشاهد على قوة الإرادة الإنسانية التي تتحدى الصعاب، وتتجاوز العقبات، وتصنع المستحيل.

(ولا بدّ أن نبذل كلّ معرفتنا، ونسعى إلى المعرفة، والسعي إلى المعرفة هو السعي للسعادة) لأنّ المعرفة الصحيحة هي الضمانة الوحيدة لسلامة الإنجاز، وكل إنجاز لا يتأسّس على المعرفة فالثقة به ليست في مكانها، ولن يكون ذلك بالجهود الرخوة والسعي الكسول بل لابدّ من البذل الصادق، والعمل الدؤوب في سبيل تحصيل المعرفة التي يترسّخ عليها البنيان، ولأنّ طبيعة المعرفة متجددة ولا تقف عند حدّ، فإنّ واجبنا هو المزيد من السعي نحو المعرفة الجديدة، واكتشاف كل ما هو جديد ومفيد، فعلى ذلك السعي يتجدّد نشاط الإنسان ويغمره الشعور العميق بالسعادة؛ لأنّ السعي إلى المعرفة بحسب عبارة صاحب السموّ المُشرقة هو السعي إلى السعادة، وهذه الصياغة البليغة تذكّرنا بحكمة مشهورة خلاصتها: أنّ السعادة هي معرفة الحقيقة، وللحقيقة تجليات كثيرة في هذا الوجود، فالسعيد السعيد من باشر نور الحقيقة قلبه، وتنعّم بها وجدانه، ولا طريق لنا إلى اقتناص هذا النور الجميل إلا بالإقبال على المعرفة التي هي كنز الإنسانية، وسرّ تجددها، وشعلة نشاطها بحيث يمكننا القول إن تاريخ البشرية في جوهره العميق لم يكن سوى السعي الحثيث في أودية البحث للوصول إلى نار المعرفة واقتباس شعلة متوهجة تضيء الطريق أمام الإنسان في سعيه إلى اكتشاف ذاته، واحترام قدراته، وترك بصمته الخاصة في سجلّ الخلود.

والشكر موصول إلى مقام صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد الذي نتعلم منه أعمق دروس الحياة، ونستلهم كلماته المضيئة في مسيرة الوطن الزاهرة، ونتفيّأ من ظلاله الوارفة تحت شجرة الحكمة المستنيرة، فهو أستاذ حقيقي في تنمية الروح البشرية، وعمارة الوجدان بمشاعر السعادة والإيجابية، وتحفيز القدرات الخلّاقة للإنسان، ليظل كل ما يكتبه حول فكرة السعادة والإيجابية منبثقاً من مقولة له افتتح بها كتابه الرائع (تأملات في السعادة والإيجابية)، حيث يقول: «الإيجابية هي طريقة تفكير، والسعادة هي أسلوب حياة، ليس ما تملكه أو تفعله هو ما يجعلك سعيداً، بل كيفية تفكيرك بكل ذلك»، فطوبى لوطنٍ يسهر على راحته وتثقيف أبنائه قائد جسور، وشاعرٌ يرسم بالكلمات أجمل لوحات العطاء والإلهام.

Email