متى تتعافى السياحة العربية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد كانت وجهة السائح الخليجي في ستينيات القرن الماضي تدور بين الهند، وإيران، والباكستان. بعد ذلك اتجه البعض إلى القاهرة، وبيروت، ودمشق، ومن كان ميسور الحال، ولديه معرفة باللغة الإنجليزية سافر إلى بريطانيا، بعد ذلك اتجهوا إلى فرنسا وسويسرا، وغيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية وهكذا. وبعد أن اجتاح بعض الدول العربية ما أطلق عليه الربيع العربي، وجدنا السائح العربي يغير وجهته السياحية من الدول العربية إلى تركيا، وغيرها من الدول في أوروبا الشرقية.

وعندما بدت دول ذلك الربيع العربي تستعيد عافيتها، مني العالم بجائحة كوفيد 19 التي حيّرت فكر الإنسان وأربكت سلوكه، وجعلته أسير الخوف والوجل. عامان لم يتمكن الناس فيهما من التنقل خارج أوطانهم، وأحياناً لا يتجولون بداخلها، وتم توزيع الدول إلى قوائم حمراء وخضراء وبرتقالية، ليتمكن رعاياها من دخول بعض البلدان. ولما بدت بوادر الانفراجة تلوح في الأفق تسارعت الشركات السياحية للإعلان عن تقديم عروض مغرية للراغبين في السفر إلى الدول التي تسمح بالدخول دون تطعيم أو حجر. وتم تبادل هذه المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت الوفود في حزم حقائب السفر جماعات وفرادى.

لكن المزعج في الأمر أن بعض دولنا العربية لم تكن مقصداً للسائح العربي إذ لم تحرك ساكناً، لأنها لم تتعاف بعد من آثار الجائحة. وأنا على يقين بأنه لو تم التعافي فإن السائح العربي لن يفكر في الذهاب إليها، إذ إن الكثير منها غير مهيأ لاستقبال السواح، رغم ما في هذه البلدان من مغريات، مثل المناخ المعتدل، والمواقع السياحية المشجّعة على الزيارة، بيد أن السائح العربي لا يهمه من السياحة ما في البلدان العربية.

ولو نظرنا إلى خارطة السياحة العربية سنجد الكثير مما يستحق الزيارة، فلقد استطاعت دولة الإمارات مثلاً استحداث عوامل جذب، للزائر العربي وغير العربي. من خلال المنشآت المتحفية، كمتحف اللوفر، والمتاحف التراثية، والبرامج والفعاليات الثقافية والفنية والترفيهية والاقتصادية والرياضية، ومهرجانات التسوق، وبيئاتها المتنوعة، البحرية، والجبلية والصحراوية، ومعالمها الملفتة للنظر، وفنادقها الراقية، وخدماتها الميسرة، وغير ذلك مما يشجّع على السياحة الداخلية، واستقبال القادمين من الخارج.

وإذا كانت الوجهة إلى مصر فسيستمتع السائح بنيلها وأهراماتها، ومسارحها، وصالات العروض الفنية بها، ومتاحفها، متحف الحضارة، والمتحف المصري الكبير الذي سيفتتح قريباً، والمتحف الإسلامي، والمتحف القبطي، ومتاحف الفنون. والتاريخ الذي تختزنه الأقصر وأسوان وباقي المحافظات التي تضم مناطق الآثار، حيث تحتضن مصر ما يقرب من 80 % من آثارالعالم. والمدن السياحية الجديدة.

وإذا ما كانت الوجهة إلى الأردن حيث البتراء، وعجلون، وجرش، وأم قيس، وأم الرصاص، والأضرحة والمقامات التي تخلد بطولات شهداء معركتي اليرموك ومؤته، وغير ذلك مما يعكس الحضارات التي تعاقبت عليها. وفي لبنان نجد الحضارة الفينيقية ومعالمها المختلفة وجبالها الجميلة المغطاة بالثلوج، وبرها وبحرها، وجمال الطبيعة الخلاب في زحلة، وبحمدون، وبيصور، وغيرها. وفي تونس حيث دقة، والقيروان، وسوسة، والحمامات، وطبرقة، وعين دراهم، وسيدي بوسعيد، وقرطاج، والجنوب التونسي الجميل.

وفي سوريا عاصمة الدولة الأموية يجد السائح ما تضمه من تاريخ عبر العصور المختلفة، ويلتقي المتنبي وسيف الدولة في دمشق وحلب واللاذقية. أما السعودية فإضافة لمدينتي الحرمين الشريفين فإن زيارة باقي محافظاتها ومدنها تعد متعة حقيقية، الأحساء، والقصيم و بريدة وعنيزة مدينتي الإنتاج الزراعي الرائع، ناهيك عن الطائف وعسير وأبها وغيرها. وإذا ماكانت الوجهة إلى سلطنة عمان بلاد التاريخ والقلاع، والأجواء المختلفة والمناطق المتنوعة في الجمال، الرستاق، ونزوى، وبهلا، وصلالة، والجبل الأخضر. وغيرها من المناطق، والشعب الجميل كرماً وأخلاقاً، فإن زيارتها ممتعة. وقس على ذلك باقي البلدان العربية التي تزخر بكل ما هو جميل. إنها ليست دعوة لترك زيارة دول العالم المختلفة، وإنما هي دعوة للشباب العربي للتعرف على مخزون البلدان العربية من تاريخ وحضارة، والتواصل مع أبنائها ترجمة للوحدة العربية والمصير المشترك.

كما أنها دعوة للبلدان العربية لتطوير خدماتها السياحية، بما تتمكن به من منافسة دول العالم. وجذب ما ينفقه السائح العربي في بلدان العالم الأخرى للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني لكل دولنا العربية. ودعوة لرجال المال والاقتصاد العرب للاستثمار في التنمية السياحية للوطن العربي.

أعلم جيداً أن أهم عنصر لتعافي السياحة العربية هو أن تتعافى الدول العربية ذاتها، فمتى يتم ذلك؟

Email