مطبات في المشهد الليبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

القادمون من قاموس الفوضى، يقاومون دائماً فكرة البناء، التربص بمحاولات عودة الدولة الليبية الوطنية، جزء رئيسي من مشروع تخريبي تتبناه جماعة الإخوان الإرهابية وروافدها.

إشعال وتأزيم المشهد الليبي في هذا التوقيت أمر له دلالاته وأهدافه، كلما اقترب موعد الانتخابات الليبية، تحرص الميليشيات على القيام بمناورات عسكرية مفادها أنها لا ترغب في انتخابات في طرابلس، ومن ثم التحريض على فشل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر.

الواقع يقول إن الطريق إلى الانتخابات الليبية، محفوف بالمخاطر والعقبات، فنحن أمام ميليشيات ومرتزقة وقوات أجنبية وتنظيمات إرهابية لا تزال موجودة في ليبيا، بل إنها تشكل خطراً على العملية السياسية برمتها، سيما أن إخراج هذه الميليشيات والقوات الأجنبية كان من أهم المطالب التي أوصى بها مؤتمر (برلين 2)، وتبنتها بعض العواصم الدولية مثل باريس، التي قدمت تصوراً كاملاً لإخراجها، نظراً لما تشكله هذه الكيانات من عبء على الاستقرار الليبي.

الشاهد الثاني أن جماعة الإخوان الإرهابية ورفاقها يشعرون بتوتر شديد كلما اقترب موعد الانتخابات، سيما أنهم يعلمون جيداً أن ليس لهم أرضية في الشارع الليبي الآن، وأن محاولة قيام الجماعة بتغيير اسمها من «إخوان ليبيا»، إلى جمعية تحمل اسم «الإحياء والتجديد»، باتت فكرة فاشلة لم تنطلِ على الشارع الذي يزداد رفضاً وكراهية لأية مشاركة سياسية لهذه الجماعة الإرهابية، وبالتالي، فإن قادة هذه الجماعة تبذل قصارى جهدها في حشد الميليشيات التي تبنتها، وأنفقت عليها، منذ ما يسمى بالربيع العربي، والعمل على الاستفادة منها في تنفيذ عمليات عنف، وتوسيع دائرة الاشتباكات بهدف إفساد المسار السياسي في ليبيا، إلى حين أن هذه الكيانات الإرهابية تستطيع إعادة تموضعها وتكون جزءاً من المشهد السياسي الليبي.

أيضاً يتمثل الشاهد الثالث في سعي بعض الأطراف عرقلة توحيد المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها، المؤسسات العسكرية، فمحاولات توحيد هذه المؤسسات لا تزال تراوح مكانها دون الوصول إلى نتيجة قوية يتم البناء عليها، وهذا يعكس حجم الفجوة بين أطراف المعادلة على طاولة التفاوض، الأمر الذي يؤثر قطعاً على المراحل السياسية وصولاً إلى موعد إجراء الانتخابات.

أما الشاهد الرابع: فهو ما أشار إليه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، يان كوبيش، قائلاً: «العديد من الأطراف في ليبيا ليسوا مستعدين للمضي قدماً في ترجمة أقوالهم إلى أفعال، وأن البعض لديهم رغبة في عدم إجراء انتخابات 24 ديسمبر المقبل».

وإذا ذهبنا إلى الشاهد الخامس: فهو الذي يتعلق بعدم التوصل إلى المرجعية الدستورية التي تتم بناء عليها الانتخابات، وهذا ما يؤكد حالة الإخفاق التي تعيشها لجنة الحوار، وأن المصالح تحول دون الاتفاق على الإطار القانوني كشرط لإجراء الانتخابات، وذلك وفقاً لما اتفق عليه ملتقى الحوار السياسي الليبي في خارطة الطريق التي أقرها مجلس الأمن الدولي.

كل هذه الشواهد تقول: إن الطريق إلى انتخابات 24 ديسمبر يحتاج إلى تحركات قوية وسريعة وعميقة من جميع الأطراف سواء المجتمع الدولي، أم في الداخل الليبي، وأنه يجب الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في قرارات مجلس الأمن، لكي تستطيع الإرادة الوطنية أن تضع يدها على كامل مؤسسات الدولة دون تدخلات من قبل القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات، وأنه يجب فرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل المسارات السياسية.

على صعيد الداخل الليبي فلا بديل عن الوحدة والسمو عن الخلافات الصغيرة، فلا تزال الفرصة سانحة - إن أرادت أطراف التفاوض - الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومن ثم استعادة المؤسسات لتصبح تحت قيادة شعبها الليبي ووفق آليات قانونية ودستورية.

وسط هذه التخوفات القائمة، فإن تخوفاً جديداً في منتهى الخطورة يلوح في الأفق بشدة، وهو الذي يتعلق بمخاوف المجتمع الدولي وفق تقارير مخيفة للأمم المتحدة من ازدياد نفوذ التنظيمات والجماعات الإرهابية في إفريقيا، ومن بينها الجنوب الليبي، وبالتالي فإن أية تأخير في مراحل الاستحقاقات الدستورية والسياسية في ليبيا، سيكون خطراً كبيراً، بل إنه سوف يأتي لمصلحة الجماعات الإرهابية وربما يمنحها قبلة الحياة في بسط نفوذها بشكل أوسع وأكثر.

خلاصة القول إن ما سبق طرحه بمثابة شواهد تدلل على وجود مطبات سياسية، لكنني أرى أن الليبيين أنفسهم أصحاب القرار في إرادة العودة بالدولة الوطنية الليبية، كما أنني أدق ناقوس الخطر أمام أية أطراف تحاول عرقلة المسارات السياسية من أجل المصالح الخاصة الضيقة، دون الاكتراث بأن التعثر السياسي يقود الدولة إلى الهاوية، وفي هذه اللحظة ستكون جميع السيناريوهات مفتوحة داخل المشهد الليبي.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email