وداعاً سيف الجروان

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيف بن علي الجروان، السفير الوطني القومي، يرحل بعد أن ترك سجلاً في حب الوطن حافلاً بالعطاء، لقد بدأ «أبوعلي» حياته العملية في دولة الكويت، وكانت له علاقات طيبة مع جميع أبناء المنطقة الذين كانوا هناك يعملون في مؤسساتها المختلفة، وبعد أن عاد إلى مسقط رأسه عمل مديراً لبلدية رأس الخيمة، وبقيام الدولة انضم إلى السلك الدبلوماسي، ليعين قائماً بالأعمال في سفارة الدولة لدى ليبيا، ثم انتقل سفيراً لدى دولة الكويت، بعدها انتقل سفيراً لدى مصر، ومندوباً دائماً للدولة في الجامعة العربية.

خلال الفترة نفسها نقلت أنا للعمل دبلوماسياً بالسفارة في القاهرة، وهناك كانت علاقتي به وعرفت مدى إنسانية هذا الرجل وإخلاصه في العمل، وحبه لوطنه، فكان وطنياً وقومياً حرص على قضايا وطنه وأمته، من خلال مواقفه ومداخلاته ودفاعه بحماس عن القضايا العربية في اجتماعات الجامعة.

كان عدد الدبلوماسيين بالسفارة سبعة واثنين من الإداريين. كان كل صباح عند بدء الدوام يتصل بالدبلوماسيين، ليطمئن على وجودهم في مكاتبهم، وعلى الخصوص أولئك الذين مكاتبهم خارج مبنى السفارة، القنصلية، الملحقية الثقافية، الملحقية العسكرية، والملحقية الصحية، وكان يقول أنتم في مكاتب تحمل شعار الدولة وعلمها، وكل مواطن أو مراجع سيأتي ولن يجد المسؤول سيقول ذهبت إلى السفارة ولم أجد أحداً من المسؤولين، لذا التزامكم بمواعيد الدوام واجب وطني. وهو النهج ذاته الذي اتبعه عندما صار وزيراً، ما أزعج من كانوا معه في الوزارة واعتبروا ذلك ضغطاً وتحكماً فيهم؛ لأنهم لم يعتادوا مثل ذلك.

دعوات
كان إذا ما وصلت إلى السفارة دعوات من السفارات والمؤسسات لحضور حفل يوم وطني أو مناسبة مهمة، يكلف الدبلوماسيين ليذهب كل واحد إلى مكان، ليسجل حضور السفارة، ويقوم هو بالمرور بتلك المواقع تباعاً، ويقول لابد من حضور جميع المناسبات وأن يراكم أصحاب الدعوات والحضور، حتى لا يقال إن سفارة الإمارات لم تدعَ، أو أن ليس لها علاقات جيدة في مصر، ولكي تضمنوا تلبية الآخرين لديوان السفارة، كان محباً لموظفيه وحريصاً على رعايتهم، ودعمهم، ففي إحدى إجازاتي التي لم تستغرق وقتاً طويلاً، استدعاني بعد عودتي بأيام في مكتبه وسألني هل مررت بالوزارة، وهل طلبت الانتقال من السفارة، رددت باستغراب لا لم أطلب الانتقال، سألني هل تم أي اتصال بينك وبين السفير محمد العصيمي، ولما أجبته بأنه لم يتم اتصال بيني وبينه، قال إذاً، لماذا صدر قرار بنقلك إلى بغداد، حيث كان العصيمي سفيراً بها.

ولما أجبته بعدم معرفتي بشيء، كتب إلى الوزارة رافضاً نقلي، وقال: بلال عنده فرصة كبيرة في زيادة معارفه، من خلال عمله بالقاهرة ومتابعته لملف الجامعة العربية، وهكذا تم.

كان عليه رحمة الله ظريفاً واجتماعياً، ومتواضعاً، وكان محباً للرياضة، ومتابعاً لكرة القدم، ذهبنا ذات يوم إلى استاد القاهرة لحضور مباراة بين الأهلي والزمالك، وقد رفض وضع العلم على السيارة، ونظراً للازدحام كانت السيارة تشق الطريق بصعوبة، فطلبت من السائق أن يتوقف ويرفع العلم، فرفض، وبعد محاولات قَبِل، ففتح لنا الطريق، ولما وصلنا الاستاد تم الترحيب بنا وجلسنا كل واحد منا يشجع فريقاً، كان أهلاوياً متعصباً، وكان يقول الأهلي نادٍ وطني أسسه الزعيم سعد زغلول، أما الزمالك فقد أسسه الإنجليز، كان طلبة الإمارات يمارسون لعبة كرة القدم، وكنت أذهب للتدرب معهم فلما علم قال سأشارك معكم، وحضر مرة واحدة ولم يواصل لانشغالاته، لكنه كان دائم السؤال.

رحمك الله يا أبا علي وأسكنك فسيح جناته لما قدمته لوطنك، وستبقى بصماتك وذكراك محفورة في ذاكرة الوطن.

Email