بناء الأوطان المعركة الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن العناية بالأولويات الكبرى والغايات الحقيقية مطلب مهم، لا غنى للأفراد والمجتمعات والدول عنها، لتحقيق التنمية والنهضة والبناء، وإيجاد الحلول السديدة للمشكلات، والمضي المستمر بخطى ثابتة لتحقيق الإنجازات، وذلك عبر النظر السديد والتخطيط السليم والعمل المتواصل لتحقيق الأهداف الحضارية، دون أن يصرف عن ذلك الانشغال بالأمور الجانبية والهامشية التي تكبح جماح التقدم والازدهار، وتحول دون الوصول إلى قمم الريادة والصدارة وبناء الحضارة ونفع البشرية.

وإلى ذلك يشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، حيث يقول: «علمتني الحياة ألا تشغلني الحياة بمعاركها الجانبية عن معركتنا الكبرى الحقيقية.. معركة البناء والتنمية.. بناء الوطن معركة.. بناء الإنسان ملحمة.. بناء حياة لأجيال جديدة هو أكبر وأعظم وأنبل هدف لحياتنا.. وما سوى ذلك تفاهات تشغلنا عن معركتنا الحقيقية»، وهكذا هي دولة الإمارات، وهكذا هم قادتها، قدوات مشرقة في العناية بالإنسان وبناء الوطن، وترجمة ذلك عبر إنجازات نوعية سطرها التاريخ في أنصع صفحاته، وقد تجلت نماذج كثيرة من ذلك رغم التحدي العالمي المتمثل في وباء كورونا، فقطار الإنجاز في دولة الإمارات لم يتوقف لحظة في هذه الجائحة، لتكون دولة الإمارات بذلك نموذجاً رائداً في البناء والنهضة، ومن أسرار هذه المسيرة المشرقة المستدامة الانشغال بالمعركة الحقيقية معركة البناء والنهضة والسعي الدؤوب لما فيه خير أجيال الحاضر والمستقبل.

إن هذه الثقافة الحضارية ضرورية للأفراد والمجتمعات والدول، وخاصة في ظل التحديات الكثيرة التي تواجه العالم، والتي تحتاج من الجميع إلى تغليب المصالح العليا للأوطان وللإنسانية جمعاء، سواء كانت تحديات صحية أو بيئية أو تحديات الجوع أو الفقر أو التنمية أو غير ذلك، وحينما يدرك أبناء الوطن الواحد مصالحهم المشتركة ويركزون جهودهم في تحقيقها ولا يشغلون أنفسهم بمعارك جانبية أو خلافات وصراعات ينهض وطنهم، ويعيشون في ظله في أمن واستقرار وازدهار، لأنهم جعلوا معركتهم الكبرى هي بناء وطنهم، وأذابوا جليد الخلافات بينهم، ورفعوا راية المواطنة الصالحة التي ينضوون جميعاً تحتها متكاتفين متعاونين في سبيل مصالحهم العليا.

وإن من أشد الفئات حاجة إلى العمل بهذه الثقافة ومراجعة الذات أصحاب الفكر المتطرف والأيديولوجيات السلبية والحزبية المنغلقين على أفكارهم ومصالحهم، الذين يُشعلون المعارك الجانبية التي تهدم وتدمر، فمعركتهم الكبرى هي تحقيق مصالحهم الخاصة، ولو بهدم الأوطان على رؤوس أبنائها، كما هو حاصل في بعض المجتمعات، التي لاقت الويل والثبور جراء الحروب والصراعات والخلافات.

كما تأتي أهمية هذه الثقافة على مستوى الأفراد، فمن الآفات التي قد تعرض للإنسان في مسيرة حياته الانشغال بالأمور الجانبية عن الغايات الكبرى والأمور الأولى التي ينبغي عليه أن يصرف اهتمامه لها، فيضيع وقته سدى، ويذهب جهده هباء، في تتبع الأمور الهامشية أو الانشغال بالمعارك الجانبية مع فلان أو علان، دون أن يحقق أي إنجاز يعود عليه أو على أسرته أو على مجتمعه ووطنه بالنفع والفائدة، ناسياً أن العمر قصير، وأنه كلما مضى جزء من الوقت فقد مضى جزء من عمره، وفي الحديث النبوي: «إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سَفسافها»، فالإنسان العاقل يصرف همته إلى أحسن الخصال والأعمال، ويجتهد في تحقيقها وينأى بنفسه عن الصوارف والملهيات.

وإن من الآفات الكبرى أن يكون الإنسان نفسه فتيلاً يشعل المعارك الجانبية بأقواله وأفعاله، ويشغل غيره بها، سواء كان فرداً في أسرة، أو عضواً في مجتمع، أو موظفاً في جهة، أو فرداً مشاركاً في العالم الرقمي، وقد يكون ذلك عبر نشر إشاعات مغرضة، أو معلومات مغلوطة، أو عبر الجدال العقيم، أو الخوض فيما لا ينفع ولا يفيد، أو عبر السلوكيات السلبية كسوء الظن والعصبية والتسرع والتهور.

كما تأتي أهمية هذه الثقافة على مستوى الأسرة، التي هي نواة المجتمع وأساسها، وإن من مسؤوليات الأسرة أن تغرس في أبنائها العناية بالأمور المهمة التي تفيدهم وتنفعهم، وتنشئتهم على معالي الأمور، وغرس الطموح فيهم، ليكونوا خير بناة لوطنهم حينما يكبرون، وحثهم على بلوغ قمم الصدارة والريادة في مختلف المجالات، كما قال الشاعر: إذا غامرت في شرف مرومِ... فلا تقنع بما دون النجومِ.

Email