عشرون عاماً من الفشل

ت + ت - الحجم الطبيعي

واهم كل من يصدق أن القوات الأمريكية والغربية تنسحب من أفغانستان، وحركة طالبان تواصل زحفها للاستيلاء على المقاطعات الأفغانية البالغة 370 مقاطعة، بعد سيطرتها على أكثر من 70% من الأراضي، دون أن يكون ذلك باتفاق مسبق. فالمفاوضات السرية والعلانية التي جرت بين حركة طالبان والولايات المتحدة، منذ العام 2011 وحتى فبراير من العام الماضي، انطوت على شروط فرضتها الحركة وحصلت عليها. ففي مقابل انسحاب غير مشروط للقوات الأمريكية، تعهدت طالبان بعدم الاعتداء على القوات المنسحبة، وبمنع عودة التنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» إلى الأراضي الأفغانية، وبالتفاوض مع الحكومة الأفغانية الحليفة لواشنطن، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تضمن استقرار أمن البلاد.

ولا معنى للشروط السابقة، إلا أن الغزو الأمريكي والغربي لأفغانستان لإسقاط حكم طالبان باعتبارها منظمة إرهابية، قد انتهى بعد 20 عاماً، ليس فقط باعتراف دول حلف الناتو بالحركة طرفاً في المعادلة السياسية، بل مطالبتها كذلك بالتصدي لمنظمات إرهابية عابرة للحدود، نشأت وترعرعت في أحضانها وبدعم منها، بالإضافة إلى التودد إليها لعدم استخدام الأراضي الأفغانية منصة لشن هجمات على دوله.

ولا معنى له كذلك، سوى أن تعهد حركة طالبان بالانخراط في العملية السياسية هو «كلام ساكت» كما يقول الأشقاء السودانيون، لا معنى له، حيث باتت الحركة قاب قوسين أو أدنى من إسقاط الحكومة والعودة إلى السلطة، كما كانت في تسعينيات القرن الماضي، وإتمام مشروعها في أفغانستان، وهي عودة المنتصر المنتشي، لأنها مشفوعة هذه المرة باعتراف من تصدوا للقضاء عليها!

هزيمة كاسحة واضحة للقوات المنسحبة، وكذب واحتيال وخلط للأوراق لتبريرها. الرئيس الأمريكي بايدن وهو يعلن تقديم موعد الانسحاب النهائي لقواته نهاية أغسطس بدلاً من سبتمبر، يقول إن بلاده حققت أهدافها في مكافحة التهديد لها بالإرهاب، وإنها لم تذهب إلى أفغانستان «لبناء أمة» لأن تلك كما يقول مسؤولية الأفغان. وهل كنا في حاجة لعشرين عاماً من الفوضى والصراع وسفك الدماء والخراب لإدراك تلك الحقيقة؟

لقد قتل في تلك الحرب نحو60 ألف جندي أفغاني وأكثر من 120 ألفاً من المدنيين، فضلاً عن مئات الآلاف من الجرحى والمشوهين، بجانب القتلى والجرحى ومن الجنود الأمريكيين والغربيين، الذين ألقى بهم في أرض لا يعرفونها وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، فضلاً عن تريليوني دولار أمريكي تكبدتها الخزانة الأمريكية على حساب دافعي الضرائب من الشعب الأمريكي.

غزت الولايات المتحدة العراق واحتلته لتخليصه من حكم استبدادي ونشر الديمقراطية، وبحثاً عن وهم اخترعته وصدقته اسمه امتلاكه أسلحة دمار شامل. وبعد 18 عاماً من الغزو والاحتلال، يتحول العراق إلى أشلاء متناحرة، وحرب مذهبية وطائفية، وفقر مدقع، ودولة يرتهن قرارها السياسي وتتحكم في مصائرها طهران.

وما جرى ويجرى في أفغانستان هو استكمال لرؤى إدارات أمريكية متعاقبة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، وإغراقه بتيّار ديني يسهل عليها التعامل معه. لم تتعلم الإدارة الأمريكية من التجربة المصرية التي أسقطت حكم جماعة الإخوان التي ساندته، سوى التمسك بمواصلتها، والمضي قدماً لمحاولة إقناعنا أن حركة طالبان الأصولية المتشددة التي ترهن شعباً بأكمله لمشروعها الظلامي، باتت حركة معتدلة ونداً للتفاوض. وليس مهماً بعد ذلك أن تواصل الحركة، تدمير الجسور وتفجير المباني وتفخيخ الطرق واقتلاع الزرع والسطو على الممتلكات لإحكام سيطرتها على كل المقاطعات، وانفرادها بحكم البلاد، لتنفيذ مشروعها الظلامي، لدولة غنية بالكفاءات والمهارات ومفعمة بآمال شعب يرنو للحاق بالعصر!

يفتح التطور الجديد، منصة أخرى للنفوذ الإيراني، بالرعاية التي تضفيها طهران على مفاوضات بين الحكومة الأفغانية وبين طالبان. ويقدم هذا التطور أدلة ساطعة على هزيمة وفشل المشروع الاستعماري، الذي يرمي إلى تغيير الأنظمة بالغزو والقوة المسلحة. كما يكشف أكذوبة مكافحة النظام الغربي للإرهاب. أما المؤكد، فإن ظاهرة الأفغان العرب، التي عانت من إرهابها المنطقة العربية، أوشكت على العودة، بتجمع فلول جماعة «الإخوان» المطاردة وأنصارها في الأراضي الأفغانية في حماية طالبان.

وعلى ذلك، فإن أمضى الأسلحة لمواجهة ذلك الخطر المطلق علينا، هو حماية الدولة الوطنية ومؤسساتها بالأمن السياسي والاجتماعي، وبإشراك الجماهير الواعية طرفاً في تلك المواجهة.

*رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» المصرية

Email