لماذا تتحرك أوروبا الآن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتذكر في الحادي عشر من سبتمبر 2019، مقولة الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتدى أسوان: «إن مصر لا تحارب الإرهاب فقط في سيناء أو في الحدود الغربية مع ليبيا، وإنما مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم».الآن تستيقظ أوروبا التي ضاقت بها الحال جراء مخاطر جماعات العنف، بلاد الحرية تنتفض ضد تنظيمات الظلام. تشريعات وقوانين جديدة لمحاصرة الفكر المتطرف. تأخر التحرك الأوروبي كثيراً، أجهزة الاستخبارات الأوروبية تكشف تحركات خطيرة داخل الجمعيات والمعاهد ومنظمات الإغاثة والكيانات التي تديرها هذه الجماعات، شهور العسل بين أوروبا و«الإخوان» قاربت على الانتهاء، التحركات التشريعية في أوروبا رسالة إلى جميع الكيانات الإرهابية، بأن حرية أوروبا لن تكون مسرحاً لاختطاف مجتمعاتها، الاستخبارات الألمانية كشفت سعي جماعة «الإخوان» لاختراق المجتمع الألماني عبر إنشاء نظام اجتماعي وسياسي مستغلة مناخ الحرية الألمانية.

في باريس، لا يزال الجرح في قلوب الفرنسيين بعد الهجوم الإرهابي الدامي على مدينة «نيس» الفرنسية، فضلاً عن حادث ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي، سيما أن التحقيقات أكدت أن المتورطين ينتمون لجماعة «الإخوان» الإرهابية.

وفي النمسا، الرسالة كانت أكثر خطورة جراء الهجوم الإرهابي الذي شهدته فيينا مطلع فبراير الماضي، عندما فتح عدة مسلحين النار في ستة مواقع مختلفة بوسط العاصمة، وأكدت أيضاً المعلومات أن المتورطين ينتمون إلى جماعة «الإخوان» الإرهابية.

وفي بريطانيا، يحاول تنظيم «الإخوان» تبييض وجهه عبر عرض خدماته الإنسانية، ومحاولة تقديم المساعدات سيما في مواجهة «كورونا»، ربما لا تزال العلاقة رمادية بين هذه الجماعة الإرهابية ولندن، هنا استدعاء التاريخ واجب، هذه الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 نشأت وسط امتدادات طرفية بلندن. لكن في أوقات الخطر تقول الفلسفة البريطانية إن درء المخاطر عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، يتطلب التضحية بهذه الجماعات مهما كان حجم أدوارها الوظيفية التي تقوم بها.

إذاً، الحراك التشريعي الأوروبي تجاه جماعات العنف في هذا التوقيت، يدفعنا لطرح بعض علامات استفهام في مقدمتها: هل استنفدت أوروبا أدوار هذه الجماعات؟ أم أن أوروبا استشعرت مؤخراً الخطر الحقيقي الكبير لهذا الإرهاب؟ وهل ستكون هذه الانتفاضة التشريعية، جادة في تجفيف منابع العنف داخل المجتمع الأوروبي؟

كل المؤشرات تؤكد أن توسع وتمدد هذه الجماعات بمختلف روافدها وأسمائها بات يشكل خطراً حقيقياً على الأجيال الجديدة في أوروبا، سيما أن تقارير أجهزة الاستخبارات الأوروبية تأكدت من محاولات، كبرى تجرى الآن لاستقطاب أجيال الشباب عبر ما يسمى بالأعمال الخيرية، أو الدخول في شراكات اقتصادية، واستثمارات عابرة للحدود، وإقامة معسكرات شبابية تجوب عواصم أوروبا، ومحاولات استقطاب أبناء الجاليات الإسلامية ودعم الانعزالية واتخاذ منحنى حياتي بعيداً عن المجتمعات الأوروبية.

كل هذا يؤشر إلى أن ماكينة التشريعات الأوروبية لن تترك مجتمعاتها عرضة للاختطاف من قبل جماعات العنف، ومن ثم فإن الحصار الأوروبي سيضيق الفترة المقبلة على الكيانات الإرهابية، بعد أن تهاوت أقنعتها المزيّفة وادعاءاتها داخل المجتمعات الأوروبية بأنها منظمة دعوية أو حزب سياسي، بينما تصرفاتها على الأرض تقول إنها جماعات إرهابية تمارس العنف والإرهاب من أجل الوصول إلى السلطة.

ما يؤكد جدية المواجهة الأوروبية مع جماعة «الإخوان» الإرهابية، عدة شواهد من بينها أن ألمانيا أصدرت قانوناً يحظر استخدام الرموز والشعارات الدينية التي تُعبر عن عدد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل «الإخوان» و«داعش»، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات القانونية للعديد من الكيانات مثل ما تسمى بالجمعيات الخيرية.

الشاهد الثاني: أن فرنسا اتخذت العديد من الإجراءات القانونية لإصدار تشريع يحظر الجماعة، سيما أن تقارير الاستخبارات الفرنسية، تحذر من وجود ما يزيد على 50 ألف عضو تابع للتنظيم الدولي للإخوان على الأراضي الفرنسية.

يأتي الشاهد الثالث من فيينا، المجلس الوطني في النمسا أقر قانوناً لمكافحة هذه الجماعات الإرهابية، وملاحقتها في كل المدن النمساوية وفحص الملفات المتعلقة بأية استثمارات أو مشروعات اقتصادية لها صلات بهذه الجماعات.

هذه الشواهد وغيرها تقول، إن أوروبا المستقبل لن تكون الحاضنة الرئيسية للتنظيم الدولي الإرهابي، هناك خطر جديد تخشاه القارة العجوز يتعلق بملف الأوروبيين العائدين من ساحات الإرهاب الموجودة في سوريا والعراق، وعلى سبيل المثال مخيم «الهول» الذي يضم حوالي 72 ألفاً وفق أحدث تقارير الأمم المتحدة.

خلاصة القول، إن التحرك الأوروبي يؤكد صدق التحذيرات العربية من خطر الإرهاب، أوروبا الآن تذوق نفس الكأس. توظيف هذه الجماعات للقيام بأدوار، نظرية أثبت فشلها.

ما يستوجب علينا نحن العرب الضرب بيد من حديد لتجفيف المنابع الإرهابية أولاً بأول، واليقظة الأمنية غير المسبوقة لعدم عودة العناصر الإرهابية من أوروبا حتى لا تتمكن من التحالف مع ما تبقى منها داخل العواصم العربية، وتشكل خطراً ربما تكون نتائجه كارثية.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email