هل يقبل العالم عودة «طالبان»؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل سيقبل الشعب الأفغاني ومعه المجتمع الدولي أن تسيطر حركة «طالبان» التي لا يزال العالم يصنفها إرهابية على أفغانستان مرة ثانية بعد مرور عقدين من قتالها؟!

السؤال له ما يبرره بعد تصريحات المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، محمد نعيم، بتاريخ 5 يوليو الحالي: بأن الحركة سيطرت على حوالي 70% من الأراضي الأفغانية وفي بعض التصريحات لمسؤولين آخرين 85%، وكذلك بعد أن اتضحت أن هناك حالة من التسرع والاستعجال من الحركة للسيطرة على أفغانستان، الأمر الذي دفعت بالعديد من دوائر صناعة القرار في العالم والجوار الجغرافي لأفغانستان إلى الهلع والخوف مما يتم على الأرض.

قد يستغرب البعض من طرح هكذا سؤال ليس فقط من منطلق أنه جاء متأخراً حيث سيطرت فعلاً «طالبان» على أغلب الأراضي الأفغانية وبدأت بتطبيق قوانينها، وإنما انطلاقاً من سهولة السيطرة على الأراضي باعتباره أنه هو دليل على وجود حاضنة شعبية للحركة، وبالتالي فالتساؤل ليس أكثر من كونه عبثياً لا يقدم ولا يؤخر، إلا أنه يبقى استغراب هؤلاء أنه بعيداً عن المنطق الحالي للمشهد الدولي في التعامل مع تنظيمات الفكرية الإرهابية.



قبول المجتمع الأفغاني والدولي لتلك العودة وعدم مقاومته يعني العودة إلى مسألة العبث السياسي والأمني ربما بحالة أكثر مأساوية، مما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن وربما ستكون أفغانستان الملجأ الحقيقي لكل الهاربين من ملاحقات الأمنية في دولهم الأصلية والهاربين من الملاحقات الدولية، وبالتالي سنكون في مرحلة «إعادة إنتاج الإرهاب»، لأن الطريقة التي عادت بها «طالبان» مؤخراً توضح أنها جاءت بنفس الأفكار والسلوكيات السابقة، وبالتالي فالتهديد لن يقتصر على أفغانستان فحسب.

أعتقد أن مسألة السكوت الدولي حالياً لما تفعله «طالبان» لا يخرج من قبيل تقييم للنوايا الحقيقية للحركة والتي تم الاتفاق خلال المفاوضات التي امتدت لعامين بين الحركة وواشنطن.

بصورة أشمل، هناك أشياء كثيرة على المستوى الدولي تغيرت خلال العقدين الماضيين خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فاهتمامات شعوب المنطقة ومنها أفغانستان نفسها تغيرت ومسألة حكم التنظيمات المتطرفة لم يعد مقبولاً، من منطلق بات معروفاً لدى أغلب الناس أنها لا تملك رؤية لبناء الأوطان بقدر تطبيق أفكار لا تناسب العصر وتصدير الإرهابيين لتهديد استقرار العالم وفق رؤيتهم القائمة على امتلاك الحقيقة الكاملة.

هناك شيئان اثنان علينا إدراكهما ونحن نتحدث عن عودة حركة طالبان إلى حكم أفغانستان. الشيء الأول: أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة غير مستعد لأن تكون أفغانستان ساحة لتدريب الإرهابيين وملاذاً لكل التنظيمات المتطرفة الموجودة في العالم، وبالتالي لن يسمحوا بتكرار تجربة ما قبل 2001 التي شهد العالم العديد من الكوارث الإنسانية.

الشيء الثاني: أن الانسحاب الأمريكي هي فرصة لإثبات طالبان أنها قابلة لأن تكون حركة تستخدم أدوات السياسة لتحقيق أهدافها وليس الإرهاب والتطرف، وإلا فإنها سوف يتم مواجهتها من المجتمع الدولي والمجتمع الأفغاني من جديد، ربما هذه المرة تقضي عليها بالكامل.

بلا شك أن القلق من عودة طالبان بنفس الأفكار السابقة موجود لدى الجميع، لكن الاعتقاد بأن الخروج الأمريكي هو التخلي بالكامل عن أفغانستان أمر فيه استسهال في طريقة التفكير على الأقل أن مجيء واشنطن كان من أجل استثمار بعيد المدى، خاصة وأن أفغانستان دولة محورية في التنافس مع الصين، لذلك على حركة «طالبان» أن تكون أذكى في فهم المساحة التي تركت لها كي تعود إلى المشهد الأفغاني إن قررت الاستمرارية والمشاركة في الحكومة الأفغانية. وإلا فإن عودة القوات الدولية مرة ثانية أمر غير مستبعد.

Email