سياسة «الباب المخلوع»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلع مدير المستشفى الصدري في دولة الكويت باب مكتبه في محاولة لمنح أوقات أكثر للمراجعين. وقد فعل ذلك عدد من المسؤولين في المنطقة العربية. هذا التصرف يلجأ إليه عادة عندما يكون ذلك الباب ذي صلة بالمراجعين كمدير خدمة العملاء أو المراجعين في مراكز الخدمة أو التسويق أو البيع وغيرها من جهات خدمية عامة.

ويلجأ بعض المسؤولين إلى سياسة الباب المفتوح أو «المخلوع» في حالات عديدة منها عندما يحاول أحدهم وضع يده على وكر الفساد في المؤسسة، هنا يفتح أبوابه. لأن الأبواب المغلقة في الإدارة تحرمنا من الاستماع إلى معلومات جوهرية يتحرج البعض من البوح بها في حضرة مديرهم. ويلجأ البعض إلى سياسة الباب المخلوع عندما يحاول بعض القياديين امتصاص غضب الرأي العام تجاه قضية معينة. ويفتحون أبوابهم على مصراعيها بعدما يستنفذ المديرون التابعون لهم كل فرص حل المشكلات العالقة مع الموظفين. فيضطر إلى الإنصات إليهم مباشرة.

من مزايا سياسة الباب المفتوح أنها تكشف المستور. وأخطر المعلومات في الإدارة تلك التي يتحرج البعض من التصريح بها علانية. فتأتي الأبواب المفتوحة فرصة للحديث وتجفيف منابع التسيب والفساد المستشري. كما أن الباب المخلوع يخيف المتخاذلين، ويردع من يوشكون على ارتكاب تجاوزات فادحة. وسياسة فتح الأبواب ترفع منسوب الشفافية وتفتح آفاق التعاون وتبادل الأفكار بين الجيل الأصغر والجيل الأكبر. كما أن سياسة الباب المفتوح تكشف جريمة وأد الكفاءات وخطف الأضواء من مستحقيها، وتحد من الظلم وقد تقلل من الشللية المنفرة.

غير أن خلع الأبواب قد يأتي أحياناً بنتائج غير محبذة، تحديداً إذا لم تحدد بأوقات معينة. ولذا استدرك ذلك وزير الداخلية الكويتي الشيخ ثامر الصباح الذي حدد يوماً ووقتاً أسبوعياً يلتقي فيه بالناس بشتى مشاربهم. وفي ذلك ضبط ذكي لوقت القيادي.

ولو تأملنا النقيض فقد رأيت أحد المسؤولين الأصدقاء ممن فتح مكتبه على مصراعيه من دون مواعيد. بعد عام زرته فسألته ما رأيك بقرارك؟ فقال بصراحة أنا أرغب في مساعدة الناس لكنني تورطت لأن ذلك القرار قد التهم معظم وقتي. ولم أجد وقتاً كافياً للتخطيط وقيادة المؤسسة.

وربما هذا ما يبرر ما وجدته من غرف صغيرة داخل مكاتب كبار المسؤولين نسميها «المختصر» التي يختصر فيه المرء موضوعه ثم يمضي. وأذكر أنني قد دعيت إلى اجتماع من قبل مسؤول رفيع وفوجئت بنحو تسعة أشخاص داخل مكتبه. فاضطررت للجلوس في حيرة من أمري، ثم فجأة أخذني إلى تلك الغرفة المعزولة. سألته عن السبب من وجود هذه الغرفة فقال: إنها تضمن لنا كمسؤولين بأننا لم نرد أحداً، بل استقبلناهم أفضل استقبال.

إذن هناك تداعيات لسياسة الباب المخلوع، منها أننا نعيش في منطقة إذا ما ضاق المواطن أو العميل ذرعاً بأحد لا يرتاح حتى يرى المدير ويحدثه بنفسه. فتخيل حجم الأوقات التي يهدرها كبار المسؤولين لأنهم لم يعينوا إدارة كفؤة تتولى رعاية شؤون الناس وسرعة الاستجابة لطلباتهم.

خلع الأبواب هي ردة فعل رمزية مفهومة إذا طلبها المدير لكنها لا يجب أن تنسينا أهمية أن يكون هناك تنظيم لوقت القياديين فمهمتهم الأساسية متابعة الصورة الكلية ومجريات العمل للقطاعات الأخرى وليس الدخول في تفاصيل حاجات ورغبات الناس بصورة يومية.

مشكلة سياسة الباب المفتوح أنها إذا لم تحصر بأوقات معينة، وحالات محددة فإنها ستدمر فكرة التراتبية الإدارية وتدفع الجميع إلى تخطي مسؤوليهم إلى أكبر مسؤول. كما أن سياسة الباب المخلوع قد تزعج المسؤولين وذلك عندما يكثر الزائر من الشكوى ولا يقدم حلولاً بناءة، فيبقى جزءاً من المشكلة.

Email