غزو المثليين للقيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثّل القيم رأس مال المجتمعات، وقواعد رقي الحضارة الإنسانية، لما لها من أثر كبير في تعزيز الاستقرار والسلام والتسامح والتكافل واحترام كرامة الإنسان والنهوض به، ولذلك تكمن الخطورة في تهديد هذه المنظومة القِيَمِيَّة، ومحاولة هدمها بما ينافي كل التقاليد والأعراف والقيم الدينية والمجتمعية والإنسانية ومبادئ العقل والمنطق والفطرة، ومن ذلك الترويج والدعاية للعلاقات الجنسية الشاذة التي تسمى بالمثلية الجنسية، واستخدام مختلف المنصات للترويج لذلك وتسويقه.

وتزداد خطورة هذه الحملات الممنهجة باستهداف فئة الأطفال عبر الدعايات والمحتويات التي تروج للعلاقات المثلية، وتُحبِّذها، في انتهاك صارخ لحقهم في الحماية والتربية السوية وسلامتهم الصحية والنفسية، ولا تقتصر هذه المواد على الترويج لحقوق المثليين فقط، بل وتحتفي بهذه العلاقات الشاذة، وتدعو إليها.

ومن يتابع هذه القضية يجد امتدادات خطيرة لها على كافة المستويات، فقد رأينا في بعض المجتمعات الغربية أن امتدادات هذا الفكر وصل إلى حد المنع من استخدام كلمتي «الأب» و«الأم» في بعض المدارس التي يفترض بها أن تكون محاضن تربية وتعليم، واستبدال ذلك بكلمات مثل: الأشخاص أو الكبار أو العائلة، بدعوى أن مصطلح الأب والأم يعزز مفهوم الكراهية ضد المثليين!! في هدم صريح للفطرة الإنسانية، والعلاقات الأسرية، وقيم الأبوة والأمومة، ولنا أن نتخيل حجم الإرهاب الفكري الذي ينبعث من هكذا أجندة، ليس فقط على مستوى منع انتقاد المثلية أو تقييمها طبياً أو تحليلها سلوكياً ونفسياً وشيطنة ذلك بل على مستوى هدم كل القيم الدينية والاجتماعية والتمرد على كل التشريعات والقوانين التي ترسخ للعلاقات الزوجية والأسرية، وهدم منظومة الزواج والإنجاب ومبادئ الفطرة والعلاقات السوية، حتى قالت إحدى الناشطات المثليات في محاضرة منشورة ومطبوعة وهي تروج لأجنداتها المثلية: «ليس من الممكن لي أن أتزوج رجلاً أو أنجب طفلاً»!!

إن مثل هذا الخطر لم يعد يقتصر في الآونة الأخيرة على الترويج للحرية الجنسية كخيار فردي فقط، وإنما تعدى ذلك إلى الترويج للمثلية والدعاية لها والدعوة إليها، ويقترن ذلك بوصول بعض الساسة إلى سدة الحكم في بعض الدول الكبرى، والذي جعل من أجنداته الرئيسية الترويج للمثلية في العالم، حتى قام بتعيين مبعوث خاص لتعزيز حقوق المثليين في جميع أنحاء العالم، وما يتبع ذلك من حراكات مختلفة ومن تغذية للمنظمات الدولية والشركات العالمية بهذه الأجندة، ومحاولة فرض ذلك على المجتمعات تحت ذريعة حقوق الإنسان.

إن هذا التسييس للحقوق والحريات يصب في زعزعة استقرار المجتمعات، ومحاولة غسل أدمغة الناشئة، وتجنيدهم واستقطابهم للتمرد على قيمهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم، واستخدامهم كأوراق ضغط ضد حكوماتهم، ليتحول الأمر من مطالبة بحرية جنسية إلى تحبيذها والدعوة والدعاية لها إلى تسييس ذلك واستخدام المغرَّر بهم كأدوات ضد الدول والحكومات.

ومع ذلك فإن هذه الأيديولوجيات الجنسية السياسية تعاني من معارك في الغرب نفسه، فها هي المجر في قلب أوروبا تصدر تشريعاً تحظر فيه الترويج للمثلية، وخاصة في رياض الأطفال والمدارس، مما جعلها في مواجهة مع دول أوروبية أخرى ترفض هذا التشريع، كما احتج الفاتيكان لدى إيطاليا على مشروع قانون بشأن رهاب المثلية، لما يمثله المشروع من وجهة نظر الفاتيكان من تقييد للحريات الدينية التي تضمنتها بعض المعاهدات، والمساس بحرية التعبير، كما حظر مجلس النواب الروسي في عام 2013 الدعاية للشذوذ الجنسي والترويج للمثلية للقاصرين، إلى غير ذلك من الأمثلة المتعلقة بهذا الموضوع، والتي تعكس حالة التصادم بين التيارات اليسارية واليمينية.

لقد حرمت الأديان السماوية العلاقات الجنسية الشاذة، فقد قص الله تعالى في القرآن الكريم قصة قوم لوط، وأنكر فعلتهم أشد الإنكار، وجاء في العهد القديم في سفر اللاويين: «وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجساً»، وجاء في العهد الجديد: «مِنْ بِدء الخليقة، ذكراً وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته».

إن القيم صمام أمان المجتمعات، وإن تنشئة الأجيال عليها سبب لحفظهم وحمايتهم، وصيانة للأسر والمجتمعات والأوطان، وقد أثبت الواقع أن هدم منظومة القيم الأخلاقية في العالم سبب للحروب والصراعات واستجلاب شريعة الغاب، كما حدث من الأحزاب المتطرفة كالنازية والفاشية وتنظيمات الإرهاب والتطرف، والتنظيمات اليسارية المتطرفة، التي تتاجر بحقوق الإنسان لتحقيق مكاسب مادية وسياسية.

Email