تونس تتوعّد.. للباغي دولةٌ ثمّ تدولُ

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصل الوضع الصحّي في تونس درجة أصبحت معه المنظومة الصحّية مهدّدة بالانهيار، ولم يعد الأمر يحتاج إلى تدليل على أنّ الحكومات المتعاقبة منذ يناير 2011 هي فصيل فاقد للكفاءة في تسيير الشّأن العام.

وهو الأمر الذي ما انفكّت جميع الأطراف تلمسه على مدى السنوات، ولكنّ هذا لا يجد مع الأسف آذاناً صاغية لدى هذه الفئة التي أغوتها السلطة ومغانمها وهي لذلك أصرّت على التمسّك المرضي بالحكم، غير عابئة بتداعيات ذلك على صحّة المواطن وعلى سلامة واستقرار المجتمع.

وتفيد الأرقام أنّ الإصابة بفيروس كورونا ارتفعت بشكل غير مسبوق، وهي تراوح بين 5 و8 آلاف يومياً دون الأخذ في الاعتبار أنّ الاختبارات تتمّ على نطاق ضيّق، وهو ما يعني أنّ النتائج قد لا تعكس النسبة الفعلية لانتشار الوباء الذي يحصد يومياً ما بين 150 إلى 200 من أرواح التونسيين الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم وجدوا أنفسهم يعيشون في ظلّ حكومات متعاقبة لا همّ لها سوى تحصيل المنافع والامتيازات والتفنّن في تقتيل وتجويع شعبٍ، كان يرى في «الثورات» والمتغيّرات السياسية حلماً وسبيلاً لخلاصه من الفقر والحاجة، لكنّه أفاق على كابوس حقيقي أدخله عالم الموت البطيء إن كان ذلك بتأثير الجوع والاحتياج أو بسبب وباء «كورونا».

وفي المقابل، نجحت حركة «النهضة الإخوانية» في ترذيل المشهدين الحزبي والسياسي، وأدخلت الجميع في أتون الخلافات والصراعات الهامشية التي لا تمتّ بصلة إلى المشاكل الفعلية للبلاد والعباد، ولكنّها تؤمّن لها في المقابل كلّ شروط هيمنتها على الحكم، ساعدها في ذلك نظام سياسي هجين خِيطَ على المقاس، وهو نظام ساهم بشكل كبير في تفتيت المشهد الحزبي والبرلماني بما أصبح من المستحيل معه على أيّ تشكيل سياسي أن يحكم بمفرده حتّى وإن حاز على أعلى نسبة من أصوات الناخبين وهو الأمر الذي مثّل ذريعة لحركة «النهضة الإخوانية» كي يتهرّب من مسؤولية الأخطاء القاتلة التي ارتكبها طوال ممارسته للحكم مباشرةً أو بالوكالة عنه.

ونعتقد أنّه حان الوقت لطرح مسألة المسؤوليات بالجدية الكافية علّ ذلك يساعد التونسيين في رؤية بعض الضوء في نفق اشتدت ظلمته.

عشر سنوات من الحكم حوّلت تونس من بلدٍ مثالٍ في منظومته الصحّية والتعليمية وفي الحريّات المجتمعية وفي الانفتاح على الآخر دون عُقَدٍ، حوّلته إلى خراب يفتح على دمار شامل.

عشر سنوات من الحكم حوّل النموذج التونسي من مصدّر للمعارف والفكر الحرّ وللحريات المجتمعية والكفاءات الفنّية إلى بلد يسير إلى الوراء ويصدّر الفكر المتطرّف ويحتفي بالإرهابيين ويفاخر بهم ويزرعهم في المناطق الآمنة لينشروا الموت والدمار والخراب، وسيأتي يوم يُحاسب فيه المسؤولون عن ذلك وعن غير ذلك من الجرائم التي ارتكبت في حقّ الأمم والشعوب.

عشر سنوات من حُكْمِ «النهضة الإخوانية» كانت كافية لتنفيذ وعيد حركة «الإخوان» الدولية بتدمير النموذج الحضاري التونسي المتفرّد لتتحوّل تونس من بلد رائد وسبّاق في مجال الصحّة والطبّ الوقائيين، رغم ضعف إمكانيات دولة الاستقلال، إلى بلد ينتظر الكارثة ويعدّ موتاه بالآلاف، جرّاء تهاون الحكومة التي تُمسك بتلابيبها «النهضة الإخوانية» في القيام بالإجراءات الاستباقية لتجنّب الدمار الذي تردّت فيه تونس.

عشر سنوات من حُكْمِ النهضة الإخوانية حوّلت الدولة التونسية الأبيّة التي لم تخرق أبداً القانون الدولي وعاشت بعزّة رغم ندرة مواردها، حوّلتها إلى دولة مارقة ومتسوّلة من أجل أن تنعم فيالق الإرهابيين وأشباه المناضلين والمعادين للدول المدنية والمعارضين للسلطة القائمة بإرادتهم، بالتعويضات عن سنوات معارضتهم لنظام حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وهي جماعات لا تخجل من أن تطالب التونسيين بدفع التعويضات في ظرف لا تجد فيه المجموعة الوطنية كيف تموّل حملة تلقيح هذا الشّعب الذي عصف وباء «كورونا» وفتك الجوع بأغلب مكوّناته. هي جماعات لا تهمّها مصلحة الأوطان ولا تستحي من ابتزاز مقدّرات شعوب معدومة الإمكانيات وهي حقيقة بدأ المواطن التونسي يعي بها ويقف عليها.

وقد تنسى حركة «النهضة الإخوانية» ومعها الحكومة أنّ إمكانية الإفلات من العقاب ومن المسؤولية، في ضوء ترسانة القوانين الوطنية والدولية، مستحيلة، وقد تغفل كذلك أنّ هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وبأنّ المحاسبة قريبة بالتأكيد متى زالت الغشاوة كاملة عن جموع المواطنين.

يرونها بعيدة المنال ونراها قريبة ووشيكة ومدمّرة لكلّ من نال من كرامة شعب وحوّله من شعب أبيّ عزيزالنفس إلى شعب مدمَّر يستجدي وراء الحقوق ولا يحصل عليها.. للباغي دولةٌ ثمّ تدولُ.

Email