أسئلة الكون وإجابات العلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان مؤلماً ومؤلماً جدّاً أن يظل العالم العربي الإسلامي غائباً عن البحوث الفضائية وما تتوصل إليه من نتائج علمية تبهر المراقبين، وتعبيراً عن الشعور بالغبطة والفخر بدأت تظهر عبارة «أول مسبار عربي إسلامي» في عالم البحث الفضائي، ومن هنا نفهم هذا الإحساس العميق بالفخر والثقة بالنفس فيما دونه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على حسابه في إنستغرام وحسابه في تويتر بخصوص أول صورة وصلت إلينا من مسبار الأمل وهو يرصد ظاهرة كونية فريدة تمثلت في الشفق المنفصل حول كوكب المريخ، لتكون هذه الصورة الرائعة إيذاناً بفتح الأبواب أمام المزيد من البحوث الفضائية المتعلقة بهذا الكوكب الأحمر الفريد، حيث تركز البحوث الفضائية على استكشاف المزيد من أسراره وخفاياه، وكان لمسبار الأمل الذي يمثل طاقة الأمل والتحدي في هذا الوطن المهيب فضل الريادة والسبق في استكشاف بعض الظواهر الكونية الغامضة حول هذا الكوكب اللامع الجميل.

 

إلهام

واستلهاماً للكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تحثّ على التفكر في جلال هذا الكون ودلالة المصنوعات على الصانع العظيم تم افتتاح تلك الكلمة بقوله تعالى: { فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } لتكون هذه الآيات المباركة مفتاحاً للحديث عن هذا الإنجاز العلمي الرائع الذي يُعمّق في القلوب مفهوم الإيمان، وينتقل بالبحث العلمي إلى أفق جديد يؤمن بالغاية ويربط بين الظواهر الكونية للدلالة على عظمة الخالق سبحانه، وهذا ملمحٌ أصيل من ملامح التفرد والأصالة في طبيعة البحث العلمي في بلدنا الإمارات، ليكون ذلك تعبيراً عن شخصيتنا الحضارية التي تحترم القيم العلمية ولكنها تعبر عن ذاتها وقناعاتها ورؤيتها الصحيحة للوجود والكون، فتكون بذلك شاهداً على العلاقة الوثيقة بين العلم والإيمان في عصر تزعزع فيه اليقين الإنساني، وسيطرت فيه الشكوك، واحتاجت البشرية إلى نافذة جديدة تضخّ دماءً جديدة في شرايين البحث العلمي من خلال منظور مختلف ومعبّر عن رؤية بالغة الدقة والصحة للوجود الإنساني الرائع الثمين.

 

احتفاء

وتعبيراً عن هذا الإنجاز الثمين لمسبار الأمل احتفى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بهذه النقلة المتقدمة في البحث العلمي وكتب على حسابه قائلاً: لأول مرة في تاريخ البشرية يصوّر مسبار الأمل - أول مسبار عربي إسلامي - ظاهرة الشفق المتخفّي على الكوكب الأحمر، لنفتح للبشرية آفاقاً جديدة لدراسة هذه الظاهرة الكونية الربانية. ليكون هذا المفتتح الثمين تأكيداً لما سبق بيانه من الربط بين العلم والإيمان وهو ما سبق للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن أشار إليه وأكد عليه في بدايات التفكير بمشاريع البحث العلمي المتعلقة بالفضاء الخارجي، وليكون إسهام الإمارات متميزاً بصبغتها الثقافية الخاصة التي تُميزها عن غيرها، وتمنحها مذاقاً خاصاً في تفسير الظواهر الكونية الدالة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

بعد ذلك تمّ توضيح طبيعة هذا الإنجاز بكلمات منتقاة تعمّق الحسّ بالمسؤولية العلمية للوطن وهو يشاطر العالم المتقدم أعباء اكتشاف الظواهر الكونية، حيث جاء فيها: الكون مليءٌ بالعجائب والأسرار، واليوم نكتشف إحدى هذه العجائب التي لم تُرصد من قبلُ. لتكون هذه الفاتحة تمهيداً لما بعدها من بشائر الخير المتمثلة في هذا السبق العلمي المتميز والذي عبر عنه صاحب السموّ بقوله: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» يرصد لأول مرةٍ صوراً شاملة لظاهرة الشفق المنفصل حول كوكب المريخ في الجانب الليلي من الكوكب الأحمر. لتشكل هذه اللحظة التاريخية الفارقة في مسيرة الوطن دافعاً أصيلاً وعظيماً للمزيد من البحث العلمي، وإعداد الطلائع القادمة التي يراهن عليها صاحب السموّ لرفع علم الوطن على أكبر عدد ممكن من الكواكب لتكون شاهدة على همة الإنسان الإماراتي وطموحه الذي لا يعرف الحدود ولا المستحيل، وهو الوسم الذي اختاره صاحب السموّ ليكون خاتمة للتدوينة، حيث ظهرت الصورة الجليلة الأنيقة التي تحمل كلمة: «الإمارات: لا شيء مستحيل».

 

تفصيل

وتنويهاً بهذا الجهد والإنجاز الفائق وضّح الطبيعة الفيزيائية لهذه الظاهرة الكونية حيث ذكر أنها تحدث عند تصادم الذرات المشحونة المنبعثة من الشمس مع ذرات الغاز المختلفة في الغلاف الجوي لكوكب المريخ، والتي تؤدي إلى تفككها مكوّنة وهجاً في المجال الطيفي الفوق بنفسجي، حيث يظهر هذا الشفق متوازياً مع المجال المغناطيسي غير المنتظم لكوكب المريخ، والذي يتكون بسبب المعادن والرواسب الضخمة الممغنطة الموجودة على سطح الكوكب مكوّنة بذلك صورة فريدة لم يتمّ التقاطها من قبل لتفتح باباً للبشرية لفهمٍ أعمق عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ.

إن دلالة هذا الحدث تتجاوز كونه بحثاً فضائياً ربما تنجزه دول أخرى، لتكون دلالته الجوهرية على روح التصميم لدى الدولة والقيادة والشعب على تحقيق الحلم الذي كان في عداد المستحيل، ولتسهم هذه البحوث الناجحة في صقل الشخصية العلمية الإماراتية وتدريبها للوقوف إلى جنب علماء الدول الأخرى وهذا مكسب حضاري لا يستهان به، فضلاً عن دلالة هذا الحدث على طبيعة البحث الوطني الأصيل الذي يربط بين الظواهر الكونية وبين الخالق العظيم حيث غاب هذا الربط طويلاً عن ساحة البحث العلمي، ولم يرجع إليها إلا على استحياء وبعد شوط طويل من البحث العلمي المجرد عن الغايات التي هي الضمانة الضابطة لتقديم التفسير الصحيح لقصة الخلق، فالحمد لله الذي وفّق هذا الوطن: قيادة وحكومة وشعباً لخوض هذا المعترك، ورفع رأس الوطن عالياً بين النجوم بين عباقرة الفكر الإنساني وعمالقة البحث العلمي الرصين.

Email