قضايا العرب في بغداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

«القاهرة - بغداد - عمان».. قمة بتوقيع جغرافيا العروبة، الزمان والمكان يؤكدان عمق الدلالة، وأهمية الرسالة.

بلاد الرافدين، تستقبل أول زيارة لرئيس مصري منذ ثلاثين عاماً. التوقيت رسالة من بغداد إلى من يهمه الأمر. العراق يتعافى، ويحقق معادلة الأمن والأمان، ويفتح ذراعيه لاستقبال الأشقاء.

القاهرة أطلقت نواة هذه القمة في مارس عام 2019، لتطل على العالم العربي من شرفة عمّان أغسطس عام 2020، وتصل إلى بغداد في الذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو، التي أزاحت حكم الجماعة الإرهابية، بغداد تعانق ثورة 30 يونيو، العاصمة العراقية تنحاز إلى كل من يدافع عن الدولة الوطنية، تجرعت مرارة العنف والإرهاب والدمار، النهوض من تحت ركام الماضي، قرار وإرادة وعزيمة لن تتنازل عنها بغداد.

 

القمة التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس حكومته الدكتور مصطفى الكاظمي، والملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، جاءت في التوقيت الصحيح، ومن المؤكد أن هذه القمة ستضم إلى حضنها العديد من العواصم العربية الأخرى، المصير واحد، والتحديات مشتركة، لا استقرار دون الوحدة وإعلاء قيمة الدولة الوطنية، ومكافحة الإرهاب الذي ينخر في عظام الجسد العربي.

الفوضى لن تستأذن في الدخول، النيران لن ترحم أحداً، من ذاق عرف، القاهرة ذاقت، وبغداد عرفت جيداً. الحكمة أن تتعلم الدرس، وتتجنّب المخاطر.

قمة «القاهرة - بغداد - عمان»، شراكة عربية استراتيجية، تصب في مصلحة المنطقة بأكملها، جدول أعمالها توقف أمام ملفات شائكة ومهمة للغاية، يأتي في مقدمتها ما يلي:

إن الأمن القومي العربي خط أحمر، ويجب الحفاظ عليه، وصونه من أية مخاطر، ومن ثم، فإن هذه القمة تلعب دوراً كبيراً في ربط الأمن القومي العربي شرقاً وغرباً، وأن هذه القمة تدشين لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، والتعاون الوثيق بين البلدان العربية، سعياً نحو الانطلاق خلال السنوات المقبلة إلى مرحلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا.

ورقة أخرى في غاية الأهمية كانت على مائدة هذه القمة، وهي ورقة التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للبلاد، التي تركت بصماتها خلال السنوات الماضية، بشكل يمثل تهديداً للأمن القومي العربي، واستهدافاً للدول العربية، ومن ثم، فإن الوحدة والتعاون المشترك باتا أمرين ضروريين، وضاغطين ومُلحّين، لمواجهة هذه التدخلات الإقليمية، وهو ما كان حاضراً بقوة في جدول أعمال هذه القمة.

لم تترك القاهرة فرصة، سواء في المحافل العربية أم الدولية، دون أن تفرض بقوة الحديث عن القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، وكان ذلك واضحاً في كلمة الرئيس السيسي خلال قمة بغداد، حول مواصلة مصر جهودها في تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

والعمل على حل الدولتين، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

إلى جانب هذه القضية المركزية، فقد كانت أوراق الملف الليبي والسوري واليمني حاضرة بقوة، فالتقديرات تقول: إنه لا بديل عن عودة الدولة الوطنية، والحفاظ على مؤسساتها، وإدارة شؤونها وفقاً لأحكام القانون والدستور، وأن تجارب السنوات الماضية تقول بضرورة الإنهاء الوجودي للتنظيمات والجماعات المتطرّفة، التي لا تزال تراوغ وتناور، بحثاً عن إعادة تموضعها لتطل مرة ثانية.

هنا، علينا التوقّف بعمق أمام رسائل قمة بغداد. خصوصاً فيما يتعلق بهذه الجزئية التي باتت تشكل خطراً وتهديداً على العالم بأكمله، الاستقرار هو طوق النجاة للشعوب، واستعادة عافية العواصم العربية، التي تصدعت إبان ما يسمى بـ «الربيع العربي»، باتت مهمة وطنية لكل مواطن عربي. الظرف السياسي العربي لا يزال في حاجة إلى التعامل معه بشروط خاصة، وتفاعل حذر.

بانوراما هذه القمة، أبحرت في عمق القضايا والملفات التي تموج بها المنطقة، لتتوقف أمام القضية الأخطر التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي العربي، وتشكل جزءاً من الحقوق المائية العربية بشكل عام، وتتطلب رؤية موحدة وتعاوناً قوياً ومشتركاً لحماية الحقوق المائية، التي تمثل قضية وجود وحياة بالنسبة للشعوب العربية.

إذن نحن أمام متغيرات وحراك في المشهد السياسي، يحتاج إلى مزيد من الدعم العربي، لكي تواصل عواصمنا العربية النهوض بقوة، وتسترد عافيتها الوطنية، وتغلق الأبواب أمام أية محاولات للنيل منها.

 

*رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email