السودان ومؤتمر باريس.. وماذا بعد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الآمال والتوقّعات بخروج السودان من أزمته الاقتصادية وعلاقاته السياسية والدبلوماسية الخارجية باتت قريبة للغاية من التحقق على أرض الواقع، بعد النتائج المتفائلة لمؤتمر باريس في مايو الماضي، لدعم المرحلة الانتقالية الديمقراطية بعد ثورة ديسمبر 2018، والنتائج التي أسفرت عنه لصالح السودان.

فعقب عودته إلى الخرطوم من باريس، أعلن رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك أن السودان اقترب من التخلّص من 80% من ديونه، عقب نجاحه في تنفيذ 5 شروط دولية للوصول إلى نقطة اتخاذ القرار للاستفادة من مبادرة «هيبك» الخاصة بالدول الفقيرة المثقلة بالديون.

وتوقّع حمدوك أن يتم إعفاء السودان من الديون بنهاية شهر يونيو الجاري، بعد تنفيذ الشروط الخمسة بينها تسوية ديون البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، ووضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر. وجميع هذه الشروط تم تنفيذها قبل مؤتمر باريس. وتقدر ديون السودان الخارجية بحوالي 60 مليار دولار. وكان الوفد السوداني مهموماً بالشرط الخامس والمتعلّق بمتأخرات صندوق النقد الدولي، والبالغة 1.5 مليار دولار، لكن فرنسا عالجتها بقرض تجسيري.

ومنذ اليوم الأول للمؤتمر كان أول الغيث على نية فرنسا إنجاح المؤتمر، وبإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته التزام مصر ببذل كل الجهود لمساندة الخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتخلّص من ديونه المتراكمة وتخفيف أعبائها التمويلية، مؤكداً مشاركة مصر في المبادرة الدولية لتسوية مديونية السودان، من خلال استخدام حصة مصر لدى صندوق النقد لمواجهة الديون المشكوك بتحصيلها.

وجاءت التصريحات المهمة لوزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الذي أعلن عن تقديم بلاده قرضاً بقيمة 1.5 مليار دولار لتسديد متأخرات السودان من الديون لصندوق النقد. موضحاً أن فرنسا ستعمل من أجل «تخفيف عبء الدين عن السودان في أقرب وقت ممكن».

تبع ذلك إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن فرنسا تؤيد إلغاء كاملاً لديونها على السودان والبالغة قيمتها 5 مليارات دولار، فيما أفادت وسائل إعلام سعودية عن تأكيد المملكة بالتزامن مع مؤتمر باريس عزمها تعزيز الاستثمارات في السودان، مع حرص الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تخفيف أعباء ديون السودان، وأعلنت السعودية عن منحة للمساهمة في تغطية الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد، وتخفيف أعباء ديون السودان.

أبواب التوقّعات الإيجابية كانت مفتوحة على مصراعيها في حضور عدد كبير من الدول وممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ورجال الأعمال والمنظمات الدولية والعربية والأفريقية، فضلاً عن 15 رئيساً إفريقياً، ومجموعة من كبار المسؤولين الأوروبيين، بالإضافة إلى ممثلي عدد من مؤسسات التمويل الدولي.

وعلى رأسها بنك التنمية الإفريقي والمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، ورئيس بنك الاستثمار الأوروبي، ورئيس المفوضية الأوروبية، والبنك الأوروبي للإنشاء والتنمية، وعدد من مسؤولي الدول الأوروبية ومجموعة الدول السبع الكبرى ومجموعة العشرين، وسط اهتمام دولي واسع وآمال داخلية عريضة بأن يسهم المؤتمر في إخراج السودان من أزمته الاقتصادية الطاحنة.

التحضيرات للمؤتمر بدأت منذ 4 شهور بالتركيز على تحديد فرص وموارد الاقتصاد السوداني، وذلك من خلال عرض أكثر من 18 مشروعاً حيوياً في قطاعات الزراعة والطاقة والنقل والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وشهدت فترة الإعداد للمؤتمر إجراء إصلاحات مالية ونقدية وتشريعية اختلفت آراء الخبراء المحليين حول جدواها، لكنها وجدت إشادة كبيرة من البنك الدولي.

وعبر رئيس البنك ديفيد مالباس عن تفاؤله بأن تؤدي الإصلاحات المالية وقرارات توحيد أسعار الصرف، التي اتخذها السودان أخيراً، إلى نمو واسع النطاق والحد من الفقر وتفتح الباب أمام إعفاء ديون البلاد.

فعاليات اقتصادية سودانية رأت أن نتائج المؤتمر الإيجابية، لا بد أن يصاحبها اهتمام وتخطيط وطني سليم يهدف للاستخدام الأمثل للموارد الذاتية الضخمة التي يتمتع بها السودان، والتي يمكن أن تشكل ورقة رابحة تمنع الممولين من فرض شروطهم الصعبة، والتي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى مشكلات اقتصادية كبيرة.

وقال الدكتور محمد شيخون، عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير وأستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، إن المؤتمر في حد ذاته يمكن أن يشكل فرصة لتدعيم عودة السودان للمجتمع الدولي، وجذب شراكات متوازنة، مع ضرورة أن تنعكس النتائج على الواقع الاقتصادي للبلد وعلى حياة المواطن العادي، ولو عبر مؤشرات تؤدي إلى تحسين الأوضاع الحياتية والاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.

آمال عريضة لدى الأشقاء في السودان في أن تسهم نتائج مؤتمر باريس في دعم الجهود الرامية لإزالة التشوهات والاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد السوداني المثقل بالمشكلات والأزمات، في ظل ارتفاع الديون الخارجية والنقص الحاد في البنية التحتية، وتدهور الأوضاع المعيشية مع ارتفاع التضخم إلى أكثر من 350 %.

* مدير تحرير «اليوم السابع» المصرية

عادل السنهوري*

Email