توحيد جهود المتاحف الأثرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

استمعت عبر أثير إذاعة رأس الخيمة، لمناقشات حول المتاحف الأهلية الأثرية، وما تشتمل عليه من أدوات للآباء والأجداد، التي كانوا يستخدمونها في الفترات الماضية، وما ترمز إليه من قيم وعادات وسلوكيات حميدة للمجتمع الإماراتي، وذلك من خلال زيارة إذاعة رأس الخيمة لمتحف أحد أهالي الرمس في رأس الخيمة.

ومن خلال التأمل في واقع المتاحف الأثرية، ومدى أهميتها في ربط الأجيال الناشئة بماضي أجدادهم، وما يترتب على ذلك من المحافظة على الإرث الإيجابي والقيم والعادات الأصيلة، بدت لي رؤية للمساهمة من أجل تعزيز المحافظة على المتاحف الأثرية، وذلك من خلال أمور عدة.

فمما بدا لي في ذلك، أهمية إنشاء مجلس إماراتي لإدارة المتاحف الأهلية الأثرية، سواء على مستوى الدولة، أو على مستوى كل إمارة، للعناية بهذه المتاحف، وتقديم الدعم والرعاية لها، حيث تحتاج هذه المتاحف إلى دعم إداري واستراتيجي، ودعم معنوي ومادي، من أجل استمراريتها كصروح مشرقة، يطل عبرها أجيال الحاضر على ماضي أجدادهم وقيمهم الأصيلة.

لا سيما أن عدد هذه المتاحف يصل على مستوى رأس الخيمة إلى أكثر من 30 متحفاً، ويصل على مستوى الدولة إلى أكثر من 120 متحفاً، ولذلك، فهي بحاجة إلى رعاية وعناية استراتيجية، من أجل استمراريتها وديمومتها وقوة حضورها وتأثيرها، وخاصة أن بعض هذه المتاحف الأهلية، تجاوز إنشاؤها من قبل بعض الأهالي، أكثر من 30 سنة.

والأمر الآخر الذي بدا لي لتعزيز دور هذه المتاحف، أهمية وضع الجهات المختصة بالمتاحف، مسابقة دورية سنوية، من خلال معايير معيّنة، تبرز فيها مستويات هذه المتاحف، خاصة أن عددها ليس بالقليل، ما يخلق جواً من التنافس الإيجابي بينها، ويذكي روح الإبداع والابتكار لديها في عرض محتوياتها وأنشطتها، والارتقاء المستمر بمستوياتها، وإبرازها للمجتمع، من خلال تميّزها وأساليبها الجاذبة والمؤثرة، ما يسهم في تعزيز دورها الفعال في المجتمع، وأثرها الإيجابي في الأجيال.

وأما الأمر الثالث، فهو تطوير هذه المتاحف، والاستفادة من التقنيات الذكية في برامجها وأنشطتها، وتعزيز حضورها في العالم الافتراضي عبر المواقع الإلكترونية، وابتكار موقع تراثي إلكتروني موحّد على مستوى الدولة، أو على مستوى كل إمارة، بحيث يتمكّن المهتم بالتراث، من زيارة هذه المتاحف الإلكترونية بكل سهولة ويسر.

والتعرّف إلى محتوياتها، وما ترمز إليه من ثقافة أصيلة لمجتمع دولة الإمارات، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير هذه المتاحف، وتعزيزها كوجهات جاذبة، تعرض أصالة الماضي بأحدث وسائل العصر، وتستقطب مختلف فئات المجتمع، وخاصة الناشئة، من خلال أساليب عرض وبرامج ذكية.

إن العناية بالمتاحف الأثرية، صورة مهمة من صور المحافظة على تراث الأجداد وقيمهم الأصيلة، هذه المحافظة، التي تعتبر ركيزة أساسية من ركائز التقدم والنهضة، غرسها القادة المؤسسون، وأكمل مسيرتها القيادة الحكيمة، لما يمثله تراث الأجداد من قاعدة حضارية، ترتكز عليها أجيال الحاضر في انطلاقاتها للغد المشرق.

وما اشتمل عليه من قيم العمل والجد والاجتهاد والصبر والإبداع والابتكار والاختراع، وقوة العزيمة والإرادة في مواجهة التحديات، وقيم الأمل والتفاؤل والطموح، وقيم التكافل والتعاون والوحدة والتلاحم، وغير ذلك من القيم الحضارية الغنية والثرية، التي يحملها تراث الأجداد، والتي لا غنى لأجيال الحاضر عنها.

قال مؤسس الدولة، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في بيان أهمية التراث والعادات العريقة: «يجب غرس مفاهيم الأصالة والتراث في نفوس الشباب، وتربيتهم على التواصل بين الماضي المجيد للأجداد، والنهضة المباركة في الحاضر»، وقال أيضاً، مؤكداً ذلك: «من الضروري الاهتمام بتراثنا القديم، حتى يعرف أبناء هذا الجيل والأجيال القادمة، كيف قام الآباء والأجداد بأداء دورهم».

كما اعتنى بهذا التراث المجتمع الإماراتي، إيماناً بما يحمله من قيم وأصالة وتاريخ، وبما يمثله من امتداد حضاري لجيل اليوم، للانطلاق في مسيرة النهضة والتطور، وعرفاناً بجهود الأجداد الذين عملوا وبنوا وحققوا الإنجازات، وسلموا الراية لمن بعدهم، في مسيرة نهضوية مستديمة، يرتقي فيها الوطن إلى آفاق المجد والريادة.

وأخيراً، فإننا نشكر الأهالي على جهودهم المتميزة، من أجل المحافظة على التراث، ودورهم الكبير في ربط أجيال الحاضر به.

*رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

 

Email