سلاح الإنسان الأقوى

ت + ت - الحجم الطبيعي
بذكائه الفطريّ اللمّاح، وإحساسه العميق بالمسؤولية تجاه أبناء وطنه، ينشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، بين الفينة والأخرى ومضةً مُشعّة بالمعنى والمغزى والخبرة العميقة في سياق اهتمامه بتنمية الحسّ القيادي لدى أبنائه وبناته الذين يشكلون هاجسه الأكبر في هذه الحياة.
 
وإعداد أجيال من القادة الذين هم عِمادُ الوطن وثروته الحقيقية، ورأس ماله الثمين، والاستثمار فيهم هو الاستثمار الحقيقي الذي لا يخسر مطلقاً.
 
ومن هنا جاءت هذه الومضات القيادية المتنوعة التي تطوّف بنا في آفاق خصبة من الخبرة والحكمة والتجربة لكي تصقل الروح العامة للشعب، وتنمّي ملكاته القيادية التي يستحق معها تسلّم المواقع التي يستطيع من خلالها الإسهام في خدمة الوطن، ومواصلة مسيرته في التنمية والتقدم والإعمار.
 
ومنذ نشأة هذه الدولة الزاهرة كانت تدرك أنّ المال والثروة لن يكونا السبب الأوحد في تقدم البلاد، بل لا بدّ من التقدم بالإنسان من خلال اكتساب المعرفة، والمنافسة في حقل العلوم الطبيعية والإنسانية، والإسهام الفاعل في مسيرة الحضارة المعاصرة، وذلك باكتساب العلوم والمعارف التي تضمن مسيرة التقدم في جميع مسارات الحياة.
 
في هذا السياق من الاهتمام الحثيث بالعلم والمعرفة نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد ومضة قيادية على حسابه في «إنستغرام» شحذ فيها الهِمم نحو مزيد من الحرص على اكتساب العلوم والمعارف التي تُسهم في الارتقاء بالوطن والإنسان، وكان ملحوظاً من خلال نبرة صوته الواثقة مدى تعويله على هذا البُعْد العميق في تكوين الشخصية الإنسانية الناجحة المعطاءة، حيث قارن سموّه بين نظرة الأجيال بخصوص مراحل التعليم، وكيف أن الإنسان الحديث يقع على كاهله مسؤوليات علمية تختلف في طبيعتها وحجمها عما كان عليه الآباء والأجداد.
 
«العلم ما يتوقّف، اللي نراه جديد اليوم يصبح قديم بعد حين».. بهذه العبارة الثمينة المُحفّزة يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد هذه الومضة البديعة حيث ينعش ذاكرتنا بحقيقة وجودية نلمسها ولكن ربما غفلنا عنها، وهي أنّ مسيرة العلم متواصلة الحلقات وفي جميع المسارات، بل إنّ تاريخ الإنسانية لو تم تلخيصه لما زاد عن كونه سعياً نحو المزيد من المعارف والعلوم الجديدة.
 
وهذه طبيعة الحياة، فما كان جديداً وجذّاباً وفاعلاً في مرحلةٍ مّا سيصبح بحكم سُنة التطور والإبداع قديماً يُستفاد منه في مرحلته التاريخية فحسب ولكنه سيظل محل احترام وتقدير الأجيال اللاحقة، فطبيعة العلم التراكمية تفرض هذا النمط من الحقائق، لكن هذا ليس ظاهرة سلبية بل هو محرّضٌ أصيل من المحرضات التي تدفع الإنسان إلى المزيد من البحث والابتكار وتقديم الجديد المفيد.
 
«عند آبائنا الشهادة الجامعية كانت آخر المطاف، بس أنا أبشرّكم إنتو، التعليم دايما مستمر».. في هذا المقطع من هذه الومضة القيادية يؤكد صاحب السموّ على اختلاف المعايير بين الأجيال بسبب تغير طبيعة الحياة واختلاف المسؤوليات وازدياد الحاجة للتطوير المستمر والبحث المتواصل، فإذا كانت الشهادة الجامعية هي الأفق النهائي وآخر المطاف عند الآباء والأجداد، فإن الأجيال الجديدة من الباحثين وطالبي المعرفة لا يكادون يتوقفون عند مرحلة من المراحل بل يلاحظ سموه أن حياتهم سلسلة متواصلة من البحث الدؤوب.
 
والعمل المتواصل في مجال تطوير العلوم ومواكبة إيقاع التقدم، فقبل ظهور ملامح النهضة في بلادنا كان إيقاع الحياة بسيطاً ومحدوداً لكن الدولة الآن وبكل أجيالها منخرطة بكامل قوتها في منافسة الأمم المتقدمة التي بلغت أعلى المراتب الحضارية بسبب احترامها للعلم وحرصها على مواصلة الإنجاز في هذا الطريق الممتع الشاق، وهذا هو ما أصبح طابعاً عاماً للحياة العلمية في بلدنا الحبيب الذي يسابق الزمن في سبيل التقدم الحقيقي في جميع مسارات العلوم والمعارف والفنون.
 
«حتى الدكاتره والمحاضرين والمعلمين لا بدّ أن يطوروا أنفسهم، ويتعلموا دايما وإلا تراجعوا».. وحين يختار سموه هذه الفئة من فئات المتعلمين فلأنه يدرك أن هذه هي النخبة التي يقع على كاهلها مسؤولية التقدم العلمي للوطن، فربما تبادر إلى بعضهم أن الحصول على أعلى الشهادات العلمية هو نهاية المطاف، وأنه قد آن الأوان للإخلاد إلى الراحة، فجاءت هذه الكلمات لكي تنبه قادة التقدم إلى خطورة موقعهم.
 
وأن الثغرة التي يحرسونها توجب عليهم تطوير أنفسهم ومواصلة عملية البناء المعرفي لذواتهم؛ لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة للقدرة على العطاء المتجدد، فالعلوم والمعارف في حالة تطور مستمر ولا تنتظر الكسالى والمنشغلين بغير واجباتهم، فكان هذا التنبيه في مكانه الصحيح لكي يظل قادة الفكر وطلائع المعرفة في حركة دائبة لا تعرف الراحة والكسل؛ لأن التفريط في تنمية المعارف والعلوم سيؤدي إلى التراجع لا محالة، وهو السبب الأكبر في انهيار الأمم وتخلف الشعوب.
 
«فالعلم مستمر، ولا يوقف، إلى اليوم نحن نتعلم».. وهذه العبارة المضيئة من الومضة هي تأكيد لكل ما سبق من الأفكار، فالحاجة إلى تطوير الذات في سياق العلوم نابعة من طبيعة العلم نفسه، فهو مثل النهر الذي لا يتوقف، ومنذ آلاف السنين ما زالت هذه المسيرة متدفقة في التاريخ، وهي أروع شاهد على حيوية الإنسان وذكائه وصبره وقوة عزيمته، بحيث إننا لا نستطيع تخيّل طبيعة الحياة الإنسانية لولا هذه الفتوح الرائعة في جميع مجالات العلوم والفنون والمعارف النافعة.
 
وتعبيراً عن روح التواضع الحقيقي الذي هو جوهر شخصية محمد بن راشد، يؤكد سموّه على المستوى الشخصي أنه ما زال إلى هذه المرحلة من العمر يتعلم الجديد المفيد على الرغم من عمق خبراته، وضخامة معارفه، لكنّ الحياة باتساع معارفها تجعل الإنسان يشعر دائماً بالحاجة إلى معرفة المزيد، والاستمتاع بهذه الحاجة التي تزيد من شعوره بالكمال الإنساني الفريد.
 
«متى ما قال الإنسان: أنا عرفت كل شي، صابته المعصومية، وتراجع إلى الوراء».. ويا لروعة هذه الخاتمة التي ختم بها سموه هذه الومضة البديعة، حيث ينتقد بلطف ورفق وحكمة واحدةً من لحظات الغرور الإنساني حين يظنّ الإنسان أنه قد وصل إلى غايةٍ من الكمال العلمي بحيث يعتقد أنه ليس بحاجة إلى مزيد من التعليم، وادّعى أنه يعرف كل شيء.
 
ففي هذه اللحظة سيشعر حتماً بالمعصومية التي ستحرمه لذة البحث عن الجديد، وتجفف في روحه جميع منابع الشوق إلى المعرفة، وسيكتفي باجترار ما يعرفه، وتكرار ما تلقّنه بحيث يجد نفسه منزلقاً إلى هاوية الروتين، وعندها فقط سيتأكد أنه يتراجع إلى الوراء، وأنّ فرصة تطوير الذات قد تسرّبت من بين يديه، وسيندم في الوقت الذي لا ينفعه فيه الندم.
 
Email