أفكار الموظفين الإبداعية.. هل هي حقاً فيروسات؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قطعاً لا.. هذه هي إجابة السؤال المطروح في عنوان المقال، ولكن هل هناك بعض المديرين يتعاملون مع أفكار الموظفين الإبداعية بوصفها فيروسات؟ الإجابة – مع الأسف - نعم!

بدءاً لا بُدَّ من أن نكون على يقينٍ تام من أن أفكار الموظفين الإبداعية تمثل الشريان الأساسي المُغذي لعمليات التحسين المستمر في بيئة العمل؛ على اعتبار أن تطوير الممارسات الإدارية يستلزم وجود أفراد متمكنين من تشخيص معالم الواقع الحالي، وصولاً إلى طرح أفكار إبداعية يمكن استثمارها وتحويلها لاحقاً إلى أنشطة عملية مبتكرة تُساهم في تحقيق انتقال آمن ومدروس للمؤسسة من محطة الوقوف الحالية إلى محطة مستقبلية أكثر إشراقاً، بشرط ألّا تتوقف عمليات التحسين، كي لا يتم الثبات في محطة واحدة بشكل مستديم؛ لأن الثبات المستديم يُساهم في جعل المؤسسة منفصلة عن واقعها، ومتخلّفة عن منافسيها. 

في هذا المقام، يقفز أمامنا السؤال الآتي: ما دامت أفكار الموظفين الإبداعية على درجة عالية من الأهمية، ما الذي يدفع بعض المديرين إلى اعتبارها فيروسات ينبغي مكافحتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تجعلنا نقف أمام نمط سلبي من المديرين، يخشى الموظف المفكر، ويفضل ذلك الموظف الذي يؤمَر فيُطيع ولا يناقش. المدير صاحب هذا النمط يستند في ممارسته للعمل الإشرافي إلى ثلاث مرتكزات أساسية، يمكن توضيحها على النحو الآتي: 

المرتكز الأول: أنا المدير، أتمتع بقدرات ذهنية، وإمكانات عقلية، يمكن الاعتماد عليها في تسيير شؤون العمل من دون الحاجة إلى عقول وإمكانات الموظفين. 

المرتكز الثاني: أنا المدير، أحتاج إلى موظفين آلات، يستثمرون كفاءاتهم وجداراتهم المهنية في تنفيذ أوامري وقراراتي فحسب، من دون نقاش ولا اعتراض. 

المرتكز الثالث: أنا المدير، أعتقد جازماً بأن الموظف الذي يفكر ويبدع، يُساهم في التشويش على زملائه في بيئة العمل، ويوجد مناخاً من المقاومة لأفكاري وأوامري وقراراتي؛ ولذلك ينبغي إحكام السيطرة عليه والتعامل معه بحزم، قبل أن يتمكن من تصدير فيروساته الفكرية إلى الآخرين. 

عزيزي المدير.. يا من تعتقد بأن أفكار الموظفين الإبداعية عبارة عن فيروسات ضارّة، ندعوك لاستثمار شيء من وقتك في تطوير قدراتك الإدارية، وتحسين مهاراتك القيادية، وتغيير تصوراتك الذهنية. هذا التحوّل الإيجابي يستلزم منك تغيير قناعاتك الشخصية المتعلقة بفريق العمل الذي تقوم بإدارته، الأمر الذي يمكن أن يتحقق من خلال اطلاعك على التوجهات القيادية الحديثة التي تزخر بها كتب وبحوث القيادة، أو الانضمام إلى برامج تدريبية متخصصة في ممارسة العمل الإشرافي وفي كيفية التفاعل الإيجابي مع الموظفين، أو في استشارة أهل الخبرة من المتخصصين في علم وفن القيادة وكذلك الممارسين للعمل القيادي في الميدان. 

إلى جانب ما تقدم، ينبغي للمدير الساعي للتميز، أن يتعرف إلى أهمية الإبداع والابتكار في العمل المؤسسي؛ وصولاً إلى تحفيز الأفراد العاملين على ممارسة التفكير الإبداعي، ومن ثم تحويل أفكارهم الإبداعية إلى ممارسات وتطبيقات ابتكارية. هذا الأمر يستوجب امتلاك المديرين مجموعة مهارات ذهنية وسلوكية ويأتي في مقدمتها الذكاء العاطفي الذي يمكّن المدير من فهم وإدراك ذاته بصورة جيدة، تمهيداً لإدارة تلك الذات بمستوى عالٍ من الإيجابية، مع التمكّن من فهم واستيعاب الآخرين؛ وصولاً إلى تحقيق تواصل إيجابي وتفاعل هادف مع كل من يحيط بالمدير بشكل عام، ومع مرؤوسيه على وجه الخصوص.

ختاماً.. نود أن نستشهد بما يقوله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب ومضات من فكر: أفكار وآراء من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحكومية 2013: «الإبداع هو ثقافة راسخة، وأنظمة متكاملة في أي مؤسسة. الإبداع لا ينتشر في بيئة مؤسسية لا تشجع على التعلم ونشر المعارف، ولا ينتشر في مؤسسة تخاف من التغيير، ولا ينتشر في مؤسسة لا يتم فيها تبادل الأفكار والآراء بكل شفافية ووضوح». 

Email