قضايا العرب.. وإرادة المصالحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

باستعراض الأزمات والقضايا السياسية الداخلية في الدول العربية وهي كثيرة، نجد أن غياب إرادة المصالحة بين المتخاصمين سياسياً سبب مهم أمام أي تسوية أو حل للخلافات بل يؤدي هذا الغياب، لأن تزداد تلك القضايا والأزمات إلى تعقيدات مع مرور الوقت، وتفرّعات تؤدي بالتالي إلى آثار سلبية ليس فقط على وحدة الموقف السياسي.

ولكن في أحيان كثيرة على الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي، إلى أن يصل في أحيان كثيرة إلى درجة يعتقد المراقب أنه لا يوجد أفق إلى حلّها، مع أن هناك تجارب عالمية في دول أخرى من العالم واجهت مثل هذه الأزمات، لكن توفر الإرادة أنهت القضايا خاصة في دول البلقان وآسيا الوسطى وفي أفريقيا.

قبل أيام قليلة، تم إلغاء اجتماع كان مقرراً عقده في العاصمة المصرية، القاهرة، بين الفصائل الفلسطينية لتقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس في العديد من القضايا وخاصة في مسألة إعادة إعمار غزة التي دمّرتها ما بات يعرف بحرب غزة (التي تصر على إيهام نفسها بأنها انتصرت فيها) وإسرائيل.

كما أن لبنان يعيش منذ قرابة العامين بحكومة تسيير أعمال ما جعل البلاد تواجه فراغاً سياسياً جعلتها لا تستطيع اتخاذ قرارات تنتشل المواطن من أزماته والمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها، ووصل الأمر لدرجة أن دول العالم لم تعد تعرف كيف تستطيع مساعدة الشعب اللبناني.

والحال أكثر سوءاً في العراق من حيث الوضع الحياتي الداخلي، ومن حيث حجم التدخلات الإقليمية في شؤونه، فمع أنه دولة إقليمية وعربية ذات ثقل ووزن سياسي واقتصادي كبيرين، إلا أن حالة الانقسام والخصام السياسي وأكثره لا يخرج أنه عناد وتعنّت بين مجموعة تدّعي الوطنية وأخرى تتهم بأنها موالية لإيران إلى درجة التقديس لولاية الفقيه مثل حركة النجباء بقيادة قيس الخزعلي.

وكذلك نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، جعلت من العراق دولة تعاني من عدم الاستقرار بكل ما تحمل الكلمة من معنى في الانفلات واختراق سيادته.

علينا أن ندرك أن الخطوة الأولى لأي مصالحة وطنية بين الفرقاء السياسيين، هي وجود إرادة فيما بينهم بشأن إنهاء الخلاف وذلك قبل أي حديث عن وجود جهود إقليمية أو دولية يقوم دورها على التقريب والتوفيق بين وجهات نظرهم، لأن كل الاتفاقات أو التوقيعات تبقى حبراً على الأوراق حتى لو وصلت إلى التعهد أمام الرأي العام العالمي.

ولا تتعدى أن تكون عاطفة في لحظة تأثّر لا يمكن أن تصمد طويلاً أو الرهان عليها للحديث عن حل نهائي للأزمات وتفكيكها.

إن كل المعطيات على الواقع العالمي، تفرض على الفرقاء السياسيين في الدول العربية إلى ضرورة الإسراع في تحقيق التوافق الوطني، وإنجاز ملفات المصالحة بينهم لمواجهة التحديات الخارجية وبناء مستقبل تنموي لشعوبهم، لكن نجد سيطرة عقلية المصلحة الشخصية ومصلحة الحركة تطغى على البعد الوطني والإنساني، وبالتالي تكون النتيجة انقساماً شعبياً داخلياً كل طرف يؤيد مجموعة سياسية ضد الأخرى.

نقطتان مهمتان لا بد أن تكونا حاضرتين، لكل من يدعي من السياسيين أنه يسعى إلى الدفاع عن مصالح وطنه وإسعاد مواطنيه. النقطة الأولى: أن يدرك أنه مهما قدم الآخرون من أفكار ومقترحات ووساطات للمصالحة بينهما لن تكون فاعلة، ما لم تقرر هي برغبتها وإرادتها على المصالحة من أجل أوطانها وشعوبها.

النقطة الثانية: أنه في الصراعات بين متنافسين من أبناء الدولة الواحدة لا يوجد بينهما رابح أو منتصر، وإنما الجميع خاسر حتى لو رفع أحدهما لواء المقاومة الوطنية.. والكارثة أن التاريخ سوف يسجّل ويوثّق ما يفعله هؤلاء السياسيون تجاه أوطانهم.

* كاتب إماراتي

 

Email