الأمل في «برلين 2»

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أن تطوي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل صفحات مهمتها السياسية في سبتمبر المقبل، أبت ألا تغادر قصر الحكم دون وضع بصماتها الأخيرة في الملف الليبي، بدعوتها إلى اجتماع «برلين 2» خلال يونيو الجاري؛ لمواصلة البحث عن حلول جذرية، والتصدّي لأية محاولات لعرقلة الاستحقاقات الدستورية الليبية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل.

الآمال معلقة على «برلين 2» لحسم القضايا الخلافية، التي لا تزال تلقي بظلالها منذ اجتماع «برلين 1» في يناير 2020.

الآن، وقبل شهور قليلة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يتعين على أطراف «برلين 2» وضع ثقلهم وإرادتهم من أجل تذليل العقبات أمام بناء دولة وطنية حديثة في ليبيا لا تحكمها الميليشيات والمرتزقة والجماعات المتطرفة.

والعمل علي دعم حكومة الوحدة الوطنية في المرحلة الانتقالية، من أجل الدخول بليبيا إلى مرحلة الاستقرار، ودعم خيارات الشعب الليبي في القدرة على اتخاذ قرار، والانخراط في مؤسسات الدولة الوطنية الليبية، والإمساك بزمام ومقدرات المرحلة المقبلة، بعيداً عن التدخلات الخارجية التي قادت ليبيا إلى الفوضى والتخريب، خلال السنوات العشر الماضية.

فاض الكيل بليبيا والليبيين، لابد من وقفة، الفراغ الأمني بات مرفوضاً، الأمن القومي الليبي جزء رئيسي من مكوّنات الأمن القومي العربي، الحفاظ عليه ضرورة ليبية وإفريقية وعربية.

السؤال الذي يطرحه الليبيون الآن، بتوقيت برلين هو: كيف يمكن لهذا المؤتمر أن ينقل ليبيا من ساحة الفوضى إلى مربع الاستقرار، وهل يخرج علينا هذا المؤتمر بنتائج وخريطة طريق مقبولة من جميع الأطراف؟ وهل ستتوفر الإرادة السياسية لتشكيل منصة للمّ شمل الأطياف السياسية الوطنية، وتوحيد كلمتهم، لبدء مرحلة جديدة لما بعد ديسمبر 2020؟

في الواقع، تقول الشواهد إن هناك جدية ملحوظة من الجانب الألماني، في إعطاء زخم وقوة دفع كبيرة لجميع المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، حتى تأتي بالثمار المناسبة التي ينتظرها الشعب الليبي، منذ ما يسمى الربيع العربي.

وهذا يتطلب العمل على مجموعة من المحاور في مقدمتها: ضرورة إخراج الميليشيات والمرتزقة والجماعات المتطرفة والعابرة للحدود من كل الأراضي الليبية، لتطهير الدولة والمؤسسات الليبية من هذه العناصر التي قوّضت الاستقرار، ودفعت البلاد نحو الفوضى والحرب الأهلية، وتحقيق ذلك يتطلب الدعوة الصريحة للأطراف الخارجية، صاحبة النفوذ والسيطرة على هذه الميليشيات، بإخراجها من ليبيا، وفق جدول زمني متفق عليه حتى لا تجري الانتخابات تحت أصوات البنادق.

أيضاً، لا بد من مساعدة مفاوضات مسار 5+5 من أجل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لاسيما أن هذه المباحثات تكاد تصل إلى محطتها النهائية، وتحتاج إلى بعض الدعم والمساندة من جانب المجتمع الدولي، وإذا ما تحقق ذلك، فإن آثاره الإيجابية ستنعكس على أمن واستقرار، ليس فقط الشعب الليبي بل على المنطقة العربية بأكملها، بل يمتد إلى أمن واستقرار البحر المتوسط وجنوب أوروبا.

هذا، فضلاً عن ضرورة أن يكون ملف إعادة إعمار ليبيا حاضراً وبقوة على طاولة برلين، لوضع تصوّر يضمن آليات وخطط البناء وإعادة الإعمار، بما يتفق مع الثروات الهائلة للشعب الليبي. وأيضاً بما يعيد الحياة من جديد إلى كل المناطق الليبية، بما يعزّز النسيج الوطني والمجتمعي لجميع قبائل وجهات الشعب الليبي.

إذا كانت هذه هي الآمال المنتظرة من مؤتمر «برلين 2»، فإنه بات يتعيّن على الشعب الليبي أن يتناسى مرارات الماضي، وصراعات الحاضر حول المغانم، وأن يتفق حول مستقبل ليبي جديد، يقرره صندوق الانتخابات، بعيداً عن لغة البندقية والرصاص والميليشيات.

والواقع يقول إن كل هذا الاهتمام الإقليمي والدولي والعربي، فرصة ذهبية يجب استثمارها والعمل على الاستفادة منها، بأكبر قدر ممكن حتى لا تتحول إلى فرصة ضائعة جديدة، تزيد من تعقيد وتأزيم المشهد الليبي بل ربما يعيده إلى المربع الأول.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email