حتّى لا يخيب أمل الشعب في حكّامه

ت + ت - الحجم الطبيعي

بات من الواضح أنّ الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي دخلت في دوّامة، جرّاء فقدانها التدريجي لسندها السياسي، وهو ما يزيد من تأزّم الوضع الاقتصادي والمعيشي، وبما يعمّق عزلتها مجتمعياً.

أيادٍ خفيّة ومعلومة في آن، تدفع حكومة المشيشي العاجزة أصلاً عن القيام بما هو منوط بعهدتها، إلى اتّخاذ قرارات تضعها في صدام يومي مع المواطن ومع الفاعلين الاقتصاديين، وقد كان الأمر يهون لو أنّ الإجراءات والقرارات المتخذة لمجابهة وباء «كورونا» أدّت بالفعل إلى تحسين الأوضاع الصحّية والاقتصادية والمعيشية، غير أنّ اللافت هو أنّ كلّ إجراء جديد اتّخذته حكومة المشيشي كانت نتيجته مزيد تأزّم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومزيد عزلة الحكومة، ومزيد الاحتقان المجتمعي الذي يهدّد بانفحار في الشارع التونسي قد يفلت عن كلّ سيطرة.

وآخر القرارات كانت مواصلة العمل بنظام حظر التجوال، وتشديد إجراءات الحجر الصحّي دون الأخذ في الاعتبار إمكانيات الناس وقدرتهم على مجابهة تداعيات هذه القرارات، ودون أن تقوم الحكومة بأيّ إجراءات مصاحبة من شأنها أن تساعد المؤسّسات الاقتصادية على الصمود، إلى حين زوال غمّة الأزمة الصحّية والاقتصادية.

ولعلّ قرار الزيادات الأخيرة في أسعار الكهرباء والماء والسكر وأسعار النقل العمومي، هي القطرة التي أفاضت الكأس، وأدّت إلى حالة من الاحتقان المجتمعي غير مسبوقة.

ونكاد نجزم أنّ هناك من يدفع رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي إلى مثل هذه القرارات، تمهيداً للتخلّي النهائي عنه بعد أن أدّى مهمّة الولاء بأفضل صورة، وقدّم جليل الخدمات لحزب «النهضة الإخواني» مثل أسلافه دون أن تكون له القدرة على الاتّعاظ بما جرى مع من سبقه في المنصب ودون فهم أنّ مثل هذه الأحزاب تتحرّك فقط وفق مصالحها.

وقد تكون غابت عن رئيس الحكومة النباهة والقدرة، على استيعاب أنّ معركته مع الرئيس قيس سعيّد، أفقدته سنداً كان سيحميه من بطش وابتزاز حزب «النهضة الإخواني»، رغم أنّ الرئيس كان عليه التريّث، وأن لا يدفعه دفعاً إلى أحضان «الحزب الإخواني».

وما قد يكون زاد الطين بلّة، هو أنّ الحكومة ليست واقعة فقط تحت تأثير الحزب الأقوى في مؤسّسات الدولة، بل هي - ولاعتبارات تتعلّق بالتفصّي من المسؤولية - رهنت قراراتها المتعلقة بأزمة وباء «كورونا» باللوبيات الصحّية التي تحرّكها مصالح الأطراف المتدخّلة فيها، وتغيب عنها الرّؤية الشاملة، وهي غير مخوّلة أصلاً باتّخاذ قرارات لها تداعيات خطيرة على أوضاع البلاد والعباد، وتنسى الحكومة في هذا الصدد أنّ مسؤولياتها السياسية وغير السياسية تبقى كاملة، لأنّها وحدها المسؤولة دستورياً عن تسيير الشأن العام، ووحدها الجهة التي ستسأل عن أفعالها، ووحدها الجهة التي ستحاسب طال الزمن أم قصر.

ونعتقد أنّ الخوف هو الحاجز النفسي الأكبر الذي يحول دون حكومة المشيشي وقيامها بالمهام المنوطة بعهدتها، وهو في تقديرنا خوف لا مبرّر له لأنّه ما من طرف سياسي وحزبي يمتلك القدرة على مجابهة طوفان الغضب متى انفجر، وبالتالي فإنّ الأطراف السياسية كلّها في هكذا سيناريو عاجزة عن حماية نفسها، فضلاً عن حماية حكومة معزولة عن المجتمع.

ويمكن في إطار معقول من التفاؤل أن تتدارك حكومة المشيشي الأمر، وتسترجع المبادرة شريطة أن تقوم أوّلاً، بفكّ ارتباطها مع حزب «النهضة» الذي لا همّ له سوى تأمين استمراره في الحُكْمِ، حتى يواصل تحقيق مصالحه ومصالح أتباعه.

وثانياً، إيجاد صيغة تفاهم مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي هو مطالب بتسهيل هذا الأمر، لأنّه الصيغة الوحيدة التي ستؤمّن استمرار الدولة التي هو رئيسها بمقتضى الدستور، وهو الذي يقع عليه واجب المحافظة عليها ضدّ كلّ استهداف داخلي أو خارجي.

وثالثاً، لابدّ لحكومة المشيشي أن تتحلّى بشيء من الشجاعة في اتّخاذ قراراتها وتترك بالتالي سياسة النعامة، وتواجه الأزمة الاقتصادية والصحية بما يتطلّبه الأمر، ويتماشى مع إمكانياتها المعدومة.

إنّ الدولة التونسية لا تمتلك القدرة على مواجهة تداعيات الحظر الشامل على المواطن وعلى المجتمع، وهي لذلك مدعوّة إلى ترك العمل بهذا الإجراء، ووقف العمل بنظام منع الجولان الذي أثبت عدم نجاعته وفات أوانه، ومقابل ذلك تأمين عمليات التلقيح المكثّف الذي أثبت نجاعته فقط لا غير، وهو قرار ممكن للمجتمع تحمّله، شريطة أن لا تكون نتيجته مزيد التدهور المعيشي.

إنّ الذكاء التونسي لم يفتر بعد، وإنّ القدرة على استنباط الحلول الممكنة متاحة، يكفي التمتّع بقدر من الشجاعة وبالكثير من حبّ الوطن، وحتى لا يخيب أمل الشعب فيكم.

 

 

Email