فلسطين والمبادرات المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الحرب التي نشبت في عام 2014 بين إسرائيل وحماس، وبعد عشرة أيام من القصف، سقط نحو 200 قتيل من الفلسطينيين، أغلبهم من النساء والأطفال، بينما في اليوم الـ25 للحرب الموافق الأول من أغسطس 2014، بلغت حصيلة القتلى الفلسطينيين 1459، والجرحى 8400، لتتخطى عدد الضحايا الذين سقطوا في نهاية 2008 وبداية 2009.

وانطلاقاً من دور مصر ومسؤوليتها التاريخية، وإيماناً منها بأهمية تحقيق السلام في المنطقة، وحرصاً منها على أرواح الأبرياء، وحقناً للدماء، عرضت القاهرة آنذاك مبادرة دعت فيها كلاً من إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى وقف إطلاق النار بينهما بشكل فوري، إدراكاً منها لحقيقة أن تصعيد المواقف والعنف وما سيسفر عنه من ضحايا، لن يكون في صالح أي من الطرفين. وقد لاقت المبادرة المصرية ترحيباً واستحساناً واسعاً، وبإجماع دولي، بينما رفضت حركة «حماس» المقترح المصري بعد عشرة أيام من القصف.

ويرى الباحث المصري في الحركات الإسلامية مصطفى زهران، أن رفض حماس للمبادرة المصرية وقتها كان سببه «استشعار الحمساويين أن عدم إشارة البيان في المبادرة المصرية للحركة بالاسم، وذكر الفصائل المسلحة في القطاع على العموم، يحمل الكثير من الدلالات، أهمها محاولة الدفع بحركة فتح والرئيس محمود عباس إلى الواجهة، دون استئثار حركة حماس بالمشهد وحدها».

إن مصر وعبر عقود مضت، كانت ولا تزال ثابتة في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، لا تتأخر في تحركها الحاسم المساند لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي بات جلياً وواضحاً للعالم أجمع؛ منذ بدء الحملة الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، حيث قدمت مصر أضخم قافلة مساعدات للقطاع، وهي عبارة عن 130 شاحنة محملة بـ2500 طن من المواد الغذائية، والأدوية، وحليب الأطفال، والملابس، والمفروشات، والأجهزة الكهربائية، وغيرها من المواد المتنوعة والضرورية لأهالي القطاع المنكوبين. كما فتحت معبر رفح الحدودي لدخول الحالات الحرجة من المصابين من غزة للعلاج في مستشفياتها.

أما عن «مبادرة وقف إطلاق النار»، فقد تحركت مصر بكل قوة وبثقلها الدبلوماسي والسياسي من أجل وقف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس من جانب، وعلى الجانب الآخر، من أجل إنجاح وساطتها، والتي تكللت بدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين طرفي النزاع بنجاح، بعد 11 يوماً من تصعيد عسكري يعد هو الأعنف منذ 2014، والذي أوقع العديد من القتلى والجرحى، ودمّر البنية التحتية لغزة، حيث أشاد العالم أجمع، بما فيه الولايات المتحدة، بالدور المشرف الذي لعبته مصر للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وانطلاقاً من مبدأ التآخي والتعاضد بين الشعبين المصري والفلسطيني، ولتخفيف معاناة الفلسطينيين بعد الدمار الكبير الذي لحق بغزة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة تقدر بحوالي 500 مليون دولار، والتي من المفترض أن تشارك فيها الشركات المصرية المتخصصة بالبنية التحتية، وشركات المقاولات، في تنفيذ عمليات إعادة الإعمار بقطاع غزة المدمر.

ويؤكد عدد من الخبراء الاستراتيجيين، وخبراء التنمية العمرانية، أن المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة بمثابة دعم مباشر لأمن واستقرار القطاع، المجاور لمصر، بما يدعم الأمن القومي العربي بشكل مباشر، وهو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

وقد أثنى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على الجهود المصرية التي أدت إلى وقف إطلاق النار في القطاع، والدور الإنساني الهام الذي قام به الرئيس المصري للتهدئة وحقن دماء المدنيين الأبرياء، وعبر سموه في اتصال هاتفي أجراه بأخيه عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة،عن دعم دولة الإمارات للجهود المصرية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. مشدداً سموه على الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود، خاصة من قبل القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، ومؤكداً سموه أن دولة الإمارات على استعداد للعمل مع جميع الأطراف للحفاظ على وقف إطلاق النار، واستكشاف مسارات جديدة لخفض التصعيد وتحقيق السلام.

هذا هو دور مصر التاريخي المعهود تجاه فلسطين وقضيتها وشعبها، ولا مزايدة على ذلك.

* كاتبة إماراتية

Email