رسائل الإليزيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا وسط أجواء وظروف إقليمية ودولية مختلفة، القاهرة طرف رئيسي في تقاطعات وملفات عديدة، دورها المحوري، يفرضها رقماً مهماً على طاولة الحسابات الإقليمية والدولية.رسائل قصر الإليزيه تؤكد آفاق الشراكة المصرية ـ الفرنسية، حفاوة استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في باريس، تؤكد عمق الدور الذي تلعبه القاهرة دولياً، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قرأ المشهد جيداً، وقدم دعوته لمؤتمر باريس بتوقيت الأفارقة، قضايا السودان بشكل خاص، وأفريقيا بشكل عام، هدف رئيسي على مائدة النقاش، ثمة قضايا أخرى ساخنة ومهمة وضاغطة حول الإقليم والمنطقة، فرضت نفسها أيضاً بقوة على مسار مؤتمر باريس.

الإخلاص التاريخي والجغرافي لمصر، دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأن يكون سباقاً في تقديم جميع أنواع الدعم للدولة الشقيقة السودان، سواء على مستوى دعم التجربة الديمقراطية، أم على مستوى النهوض والإصلاح الاقتصادي، أم على مستوى تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب، فلا يخفى على أحد أن الخرطوم تعاني تعقيدات كبرى بعد 30 عاماً من حكم نظام البشير، الذي قاد السودان إلى مزيد من التدهور وأدى إلى الانهيار على الصعيد الاقتصادي، نظراً للحظر الواقع عليها من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1993، بسبب إدراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي فإن دعم ومساندة مرحلة التعافي السوداني، واجب وطني تعمل عليه الدولة المصرية بعمق شديد جداً في مختلف المجالات.

الرئيس الفرنسي يقوم بدور وساطة رئيسي بين البلدان الأفريقية، وأوروبا والهيئات الدولية، من بينها الهيئات المالية مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي والعديد من الدول الأخرى.

من قضية إلى أخرى، فاض المشهد السياسي بتطورات سريعة ومتلاحقة، عاشت «القاهرة ـ باريس» على مدار 48 ساعة، تفاصيل ومناقشات ومحادثات، أكدت رسائل عديدة في مقدمتها: أن مصر في جميع المحافل والمنتديات الدولية لديها مشروع وطني، قاموسه الحفاظ على الأمن القومي العربي، ومقدرات الدولة الوطنية، وظهر جلياً في هذه القمة تأكيد الدعم الكامل وغير المشروط لاستقرار السودان، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن القاهرة أخذت على عاتقها دعم السودان الجديد في المجتمع الدولي، من خلال التأكيد على أن السودان أصبح دولة طبيعية، تستطيع أن تتفاعل بقوة وإيجابية مع المجتمع الدولي.

من بين الرسائل الواضحة والمهمة، هي أن فرنسا ترى في مصر «رمانة الميزان» في المنطقة العربية، والشرق أوسطية، من خلال السياسة الحكيمة التي يتبناها الرئيس السيسي، والمتمثلة في الوسائل والأساليب السلمية في حل الصراعات والخلافات، وقد شاهدنا نموذجاً لاقى ترحيباً أوروبياً كبيراً في معالجته، مثل قضية الهجرة غير الشرعية.

أيضاً، وضعت القاهرة التطورات السريعة بالقضية الفلسطينية، وما يحدث الآن، في أولويات النقاش مع باريس، وهذا يؤكد قدرة الدولة المصرية، في أن تكون محور التفاعلات الإقليمية والدولية، عندما يتعلق الأمر بهذه القضية المركزية، فكل الأطراف الآن، العربية والفلسطينية والأوروبية والأمريكية، تتواصل مع القاهرة، وتدعم رؤية القاهرة لحل القضية الفلسطينية.

لم يغفل «الإليزيه» التوقف أمام الملف الليبي، لاسيما في وجود القاهرة التي دفعت كل الأهداف في ليبيا نحو المرحلة الانتقالية، وتوفير الزخم والدعم الإقليمي والدولي لهذه القضية، وهو ما يتفق تماماً مع تصور فرنسا وأوروبا في المنطقة، وهذا من شأنه توحيد الأهداف الرامية إلى الاستقرار وتحقيق الأمن، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المزمع إجراؤها في ديسمبر المقبل، وعودة مؤسسات الدولة الليبية.

تزامُن هذه القمة مع تحديات عديدة جاء بمثابة فرصة مهمة لعرض وشرح الحق «المصري ـ السوداني»، فيما يتعلق بقضية سد النهضة، أمام أوروبا والعالم، وجاء تأكيد الرئيس السيسي واضحاً وفاصلاً، بأن مصر لا يمكن أن تفرّط في مياه النيل، أو تقبل الإضرار بمصالحها المائية.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email