"الجزء الثاني"

المال الشائع (انقضاء الشيوع)

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الواقع أن الشيوع حالة غير مرغوب فيها إجمالاً بسبب ما قد ينشأ عنها من خلافات ومشاكل ولهذا السبب اعتبر المشرع الملكية الشائعة ملكية مؤقتة وأعطى الشركاء حق الخروج عنها في أي وقت، وتعد القسمة سبباً من أسباب انتهاء الملكية الشائعة بمقتضاها يختص كل شريك بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب مع حصته الشائعة فيه بحيث يصبح مالكاً له ملكية تامة على سبيل الاستئثار والانفراد وقد اعتبرت القسمة معلنة لحق الشريك لأنها تكشف عن حق ثابت له منذ بدء الشيوع فهي لا تؤدي إلى المساس بالحقوق ولا إلى إهدارها ولا إلى إنشائها من جديد، وإنما هي أداة أصحاب هذه الحقوق في تحديد المضمون الكمي لكل حق.

وتتنوع أشكال القسمة بالقانون الإماراتي فمنها قسمة المهايأة والتي تعد قسمة انتفاع لا قسمة ملكية وقد تكون زمانية أي يتفق الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته، أو مكانية فيتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته الشائعة ويختلف الأمر بالنسبة لجنس المال المقسوم ومدى قابليته للانتفاع به زماناً ومكاناً، ولما كانت قسمة المهايأة الزمانية مقيدة بالزمان فإنه يتعين تحديد المدة، ذلك أن المهايأة في حكم الإجارة وتخضع لأحكامها لأن كل شريك يعد مؤجراً للشريك الآخر أو مستأجراً منه، وإذا لم يتفق الشركاء على مدة فللمحكمة أن تعين المدة التي تراها مناسبة حسب طبيعة النزاع والمال المشترك ولها أن تجري القرعة لتعيين البدء في المهايأة زماناً وتعين المحل في المهايأة مكاناً.

ولقد نص المشرع بقانون المعاملات المدنية المادة رقم (1160) على أن (القسمة إفراز وتعيين الحصة الشائعة وقد تتم بالتراضي أو بحكم القاضي) وعليه يمكن أن تكون قسمة الملكية إما اتفاقية أو قضائية.

والقسمة الاتفاقية عقد كسائر العقود، أطرافه الشركاء المشتاعون، ومحله المال الشائع، ومن ثم تسري على هذه القسمة أحكام العقود فلابد من تراضي الشركاء وتوافر الأهلية وخلو الإرادة من العيوب واستيفاء المحل لشروطه ووجود سبب مشروع.

ويجوز تعليق القسمة الاتفاقية على شرط واقف كما إذا اتفق الشركاء على تعليق القسمة على ما إذا كانت عين من الأعيان الداخلة فيها تثبت ملكيتها للشركاء، وإذا أبرم بعض الشركاء القسمة الاتفاقية دون البعض، فإن الشركاء الذين أبرموها يبقون ملتزمين بها، حتى إذا أقرها الشركاء الآخرون أصبحت نافذة في حق الجميع، وقد يجعل إقرار الشركاء الذين لم يبرموا العقد شرطاً واقفاً أو شرطاً فاسخاً في القسمة.

كما للشركاء الحق في اختيار الطريقة المناسبة لقسمة المال الشائع، فقد يختارون أن تكون القسمة عينية فيفرزون نصيب كل منهم عيناً في المال الشائع، وقد يختارون أن تكون القسمة كلية كما هو الغالب أو تكون جزئية فيبقون بعض المال في الشيوع ويفرزون نصيب كل منهم في المال الباقي، أو يتفقون على تجنيب جزء مفرز من المال الشائع نصيباً لأحدهم ويستمر الباقون في الشيوع فيما يبقى من المال بعد التجنيب.

وقد يختارون القسمة بطريق التصفية وخاصة إذا كان يتعذر قسمة المال عيناً، ويتفقون على بيع المال الشائع، كله أو بعضه بطريق المزايدة ويقتسمون ثمنه، وما عسى ألا يباع من المال يبقى شائعاً فيما بينهم أو يقتسمونه عيناً.

أما فيما يتعلق بالقسمة القضائية فتظهر بحالتين: الأولى إذا لم يجمع الشركاء على القسمة الاتفاقية فيجوز لأي شريك أن يرفع دعوى القسمة فيكون هو المدعي ويجب أن ترفع الدعوى على سائر الشركاء فيدخلون جميعاً خصوماً فيها، وإذا رفعت دعوى القسمة على بعض الشركاء دون البعض جاز بعد ذلك إدخال من لم يدخل في الدعوى وجاز لهؤلاء أن يتدخلوا في الدعوى من تلقاء أنفسهم وجاز للمحكمة أن تأمر بإدخالهم من تلقاء نفسها، والحالة الثانية تتمثل إذا انعقد إجماع الشركاء على إجراء قسمة اتفاقية ولكن كان فيهم من هو غير كامل الأهلية.

وإذا صدر الحكم في دعوى القسمة دون أن يكون جميع الشركاء قد دخلوا خصوماً في الدعوى لم يكن الحكم حجة على من لم يدخل ولكن ليس للشركاء الذين دخلوا خصوماً أن يدفعوا الدعوى بعدم قبولها لأن الشريك الذي لم يدخل خصماً هو وحده الذي يستطيع أن يتمسك بعدم نفاذ الحكم في حقه، وإذا باع أحد الشركاء حصته الشائعة لأجنبي، حل المشتري محل الشريك وأصبح شريكاً في الشيوع مع سائر الشركاء وخرج الشريك البائع من عداد الشركاء، ويترتب على ذلك أن المشتري وقد أصبح شريكاً في الشيوع هو الذي له أن يرفع دعوى القسمة وهو الذي يختصم فيها دون الشريك البائع، أما إذا اشترى الأجنبي جزءاً مفرزاً من المال الشائع فإن هذا الشراء لا ينفذ في حق سائر الشركاء، ومن ثم لا يعتبر المشتري للجزء المفرز شريكاً في الشيوع فلا يجوز له رفع دعوى القسمة ولا يصح اختصامه فيها.

كما أن للدائنين حق المعارضة والتدخل في القسمة حماية لحقوقهم فإذا عرف الدائن أن لمدينه حصة في مال شائع وأراد أن يؤمن دينه، فعليه أن يرسل لمدينه ولسائر شركاء هذا المدين في الشيوع معارضته في أن تتم القسمة في هذا المال الشائع سواء عن طريق القسمة العينية أو عن طريق التصفية بغير تدخله ويكون ذلك بطريق الإنذار حال القسمة الاتفاقية، وفي حال القسمة القضائية فله أن يتدخل بدعوى القسمة ويراقب جميع الإجراءات ليحترز من أن يتواطأ الشركاء على الإضرار بمصلحته أو أن يلحق الشريك المدين الغبن بنفسه عمداً أو تقصيراً.

والدائنون هنا هم دائنو كل شريك ويستوي أن يكون دائن الشريك دائناً شخصياً أو دائناً ذا حق مقيد كما يستوي أن يكون الحق المقيد واقعاً على المال الشائع المراد قسمته أو واقعاً على غيره من أموال الشريك، فالدائن يعنيه أن تتم القسمة دون إضرار بمصالحه فيعنيه مثلاً ألا يتعمد الشركاء حين يقتسمون المال أن يوقعوا في نصيب مدينه أعياناً منقولة أو نقوداً يسهل على المدين تهريبها من تنفيذ الدائن عليها، ويعنيه كذلك ألا يقع في نصيب مدينه أموال قيمتها أقل من القيمة الحقيقية لحصته فيقل بذلك ضمان الدائن، ويعنيه بوجه خاص ألا يتعمد الشركاء إيقاع الجزء المفرز من المال الشائع المرهون للدائن في نصيب شريك آخر غير الشريك الراهن، فيجد الدائن بذلك حق الرهن الذي له قد تحول من المال الذي قصد ارتهانه إلى مال آخر لم يكن في حسبانه.

Email