«هجمة مرتدة».. والتحية واجبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«هجمة مرتدة».. اسم له دلالاته العميقة، ورسائله القوية في التوقيت المناسب، ليس فقط حجم الاهتمام الواسع الذي شهده المسلسل، يأتي كعمل درامي فقط، إنما المعنى أعمق بكثير، فمضمونه رسالة كاشفة أمام الرأي العام الدولي والإقليمي، فهو عمل سجلته الذاكرة الوطنية العربية.المعلومات موثّقة ودامغة، والوقائع حقيقية، توقيت العرض، يؤكد أن الفكرة الوطنية خط أحمر، لن يقترب منه أحد، فما تابعناه من أحداث هذه الهجمة المرتدة، يستحق منا التحية الواجبة لجهاز المخابرات العامة المصرية الذي قدم وضحى، وبذل الغالي والنفيس في سبيل حماية الأمن القومي المصري والعربي.

ربما يكون ما شاهدناه وعرفناه، هو جزء يسير من الحقيقة، لكن الإفصاح عن هذا النوع من المعلومات الحديثة، هو جرس إنذار أمام الرأي العام لينتبه ويعرف، ويدقق ويتفهم ما يدور وما دار، وما يحاك لوطنه من حروب التجسس بأنواعه، التجسس السياسي، والاقتصادي، والثقافي والاجتماعي، فهذه الحروب لها أبطالها الذين عاشوا زوراً في هذا الوطن، أخذوا خيراته وعملوا وكلاء بالأجر، لطعن الوطن في سويداء القلب، أدوار هؤلاء العملاء الذين كشفهم «هجمة مرتدة» تباينت في عدة وظائف ومهن، في الداخل والخارج، هؤلاء باعوا أنفسهم للشيطان، خدعوا الرأي العام بمصطلحات ونظريات ومشروعات كاذبة ومغلوطة، لها أهدافها المتعلقة بتفتيت الوطن، وتقسيم المنطقة، وتسليمها إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية، المتحالفة مع قوى لها أجندات للسطو على مقدرات الشعوب العربية، وتمزيق وتشويه خرائط المنطقة.

هؤلاء العملاء والوكلاء، كان لهم قاموس جديد على ذهن ووعي الرأي العام. مفردات هذا القاموس بتوقيع «جين شارب» صاحب نظريات التخريب والاختراق. شككوا فيما هو ثابت بالضرورة، اخترقوا وسائل الإعلام، في تلك الفترة، وأنشأوا معاهد للتدريب، وعقدوا منتديات لجمع أكبر قدر من الشباب المستخدم لصالح أفكارهم، ونظموا زيارات لوفود تجوب عواصم المنطقة لنشر أجنداتهم وتزييف الحقائق، وروجوا لمفاهيم المنظمات السوداء، التي تدس السم في العسل، عبر نفس القاموس المغري الذي يقوم على المراوغة والخداع والتضليل.

اللافت للنظر أيضاً، أن هؤلاء الجواسيس كانوا يتحركون وينفقون بسفه، استناداً إلى الخزائن المالية، والتمويلات المفتوحة بلا سقف. امتداداتهم الطرفية في الداخل والخارج، أشعلت الفوضى والعنف، وصنعت حالة عبثية لتغيير هوية وملامح الدولة الوطنية في المنطقة العربية، لتنفيذ مخططات ووصايا هنري ليفي، وبرنارد لويس، ورالف بيترز، صاحب مشروع خرائط الدم، وقد ورد اسمه صريحاً في مسلسل «هجمة مرتدة».

قاموس هؤلاء، منذ صياغته، كان يهدف إلى الوصول إلى ما يسمى بـ «الربيع العربي» لكي تتحقق أهدافهم، وتسقط المنطقة، ثم يعاد رسم خرائطها من جديد، ويقوم التنظيم الإرهابي الدولي ببسط نفوذه على حكم المنطقة لصالح القوى التي تريد السيطرة على «موارد» الشعوب العربية بالكامل.

هذه الهجمة الشرسة الكبرى، تمت مواجهتها بهجمة مرتدة أكثر شراسة وقوة، ونبلاً ووطنية، دفاعاً عن عمق الحضارة المصرية والعربية، وحفاظاً على خرائط المنطقة وأمنها القومي.

فبكل فخر، فإننا نزهو وطنياً برجال المخابرات العامة المصرية، فهؤلاء أبطال وحراس الروح الوطنية، القابضون على الجمر للحفاظ على وجود هذه الأمة متماسكة وقوية، راسخة وصلبة، لن ينال منها أحد.

فما قدمه لنا «هجمة مرتدة» من معلومات دقيقة، وأداء فني رائع، بات وثيقة لا بد من تدريسها في المدارس والجامعات والمنتديات، لكي تعرف الأجيال الجديدة، ما الذي حدث لأوطانها، وما الذي يحاك لمستقبلها؟ وأيضاً لكي يعرف هؤلاء الخونة والعملاء، أنهم مكشوفون، وأن هناك رجالاً شرفاء يرونهم في الظلام، وأنهم، ومن يمشي في ركابهم، لن يفلتوا من دفع الثمن.. فالأوطان غالية.

 

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email