من يقود ألمانيا بعد ميركل

ت + ت - الحجم الطبيعي

دول العالم وأوروبا بشكل خاص تترقب مرحلة جديدة في تاريخها السياسي والاقتصادي بعد قرار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الرحيل الاختياري عن أكبر منصب سياسي في ألمانيا وربما في القارة العجوز، بعد أن أصبحت ألمانيا في عهدها طوال 18 عاماً، أقوى اقتصاد ساهم بصورة كبيرة في الحفاظ على اقتصادات العديد من الدول الأوروبية من الانهيار.

في نهاية العام الحالي، ألمانيا سوف تختار وأوروبا سوف تترقب والعالم سوف ينتظر القيادة الجديدة التي ستخلف ميركل «المرأة الحديدية» التي خاضت الحياة السياسية منذ 1989 وهو العام نفسه لسقوط جدار برلين الذي مهد لتوحيد ألمانيا. فقد شغلت حقيبة وزيرة البيئة ووزيرة المرأة والشباب قبل أن يختارها الشعب الألماني كأول امرأة تشغل منصب مستشارة ألمانيا في عام 2005 بعد الفوز على غيرهارد شرودر.

وتمكنت ميركل (67 عاماً) أن تقود ألمانيا 18 عاماً، حققت خلالها نجاحات باهرة في المجالات كافة، وخاصة المجال الاقتصادي، وتميزت بالمواقف الصارمة والمنهج العلمي الحاد في القيادة وهو ما جعل ألمانيا تصمد أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، ووضعت أخرى على حافة الإفلاس.

وخلال تلك الفترة الطويلة، قدمت ميركل - كما قالت مجلة تايم التي اختارتها شخصية العام 2015 - نموذجاً راسخاً للقيادة الأخلاقية في عالم قلت فيه تلك القيم، ووقوفها بحزم ضد الاستبداد. كما أطلق عليها الألمان لقب «الأم» لما يجدون فيها من عاطفة وتفاعل مع حاجياتهم الاجتماعية.

إنجازات ميركل حمل المؤسسات الدولية والإعلام العالمي على وصفها بـ«زعيمة العالم الحر» ووضعها في ذات القدر والقيمة التاريخية لمستشاري ألمانيا التاريخيين، بسمارك الذي وحد الولايات وأسس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ «الرايخ الألماني الثاني»، وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871، وكونراد اديناور الذي يقترن اسمه بإعادة بناء الديمقراطية في ألمانيا وتحويلها إلى دولة منتجة ومزدهرة بعد الحرب العالمية الثانية.

لا جدال أن المشهد السياسي الدولي سيختلف كثيراً مع غياب ميركل، فهي من نوع القيادات التي تترك بصمتها في التاريخ السياسي والإنساني، ويصعب تعويض غيابها خاصة بعد 18 عاماً في خدمة بلادها، مع عدم افتعال أي حروب أو المشاركة فيها، وفتح الحدود لاستقبال اللاجئين، وإلغاء التجنيد الإجباري، وإنهاء الاعتماد على الطاقة النووية.


تغادر ميركل بشعبية تاريخية غير مسبوقة ودون أن تلوث سمعتها بأية أقاويل حول ثروتها، فهي لم تسرق يورو واحداً من المال العام، ولا وضعت يدها على عقار من أملاك الدولة، فهي ما زالت إلى اليوم تقيم في نفس الشقة الصغيرة مع زوجها الثاني، وتقوم بشراء حاجياتها بنفسها، ولا يرافقها أي موكب في تنقلاتها، فهي لا تحتاج إلى حراسة ويحرسها ضميرها. لقد كانت على قدر الأمانة، فكافأها الشعب بالمحبة والاحترام، ونقش اسمها بحروف من نور مع بسمارك واديناور.

الأسماء المرشحة لخلافة ميركل ستجد نفسها في مأزق وتحد كبيرين لملء الفراغ الذي ستتركه، والكاريزما السياسية التي تميزت بها.

أرمين لاشيت، رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، وريث محتمل لميركل بعدما فاز برئاسة الحزب، وهو الذي يعرف بهدوئه الشديد، وبراغماتيته، وترحيبه باللاجئين، على غرار ميركل. وثمة من يصفه بأنه «النسخة الذكورية لميركل»، حيث ينتمي لمدرستها السياسية، وهو سياسي محترف على غرار ميركل.

المرشحة الثانية هي أنجريت كرامب كارنباور، اختارتها ميركل كوريثة مستقبلية لها رغم قلة شهرتها على المستوى الاتحادي، بعد أن كانت رئيسة حكومة سارلاند.

أما أورزولا فون دير لاين، وهي أول امرأة تتولى وزارة الدفاع في ألمانيا، وبدأت حياتها المهنية في مجال الطب، وتهتم بقضايا الأسرة، وهي من الداعين إلى توثيق الروابط الدفاعية للاتحاد الأوروبي.

إضافة إلى ذلك، فإن من المرشحين المحتملين لخلافة ميركل، يوليا كلوكنر، والتي تشغل حالياً منصب نائب ميركل داخل الحزب الديمقراطي المسيحي، وهي معروفة بمواقفها المائلة إلى التحفظ فهي تعارض الإجهاض، وبحوث الخلايا الجذعية الجنينية، واقترحت خطة بديلة لسياسة اللاجئين المعتمدة من طرف ميركل.

وينافس أيضا على منصب المستشار، بيتر ألتماير، رئيس ديوان المستشارية، الذي يتبنى مواقف ميركل التقدمية في مجالات سياسية عديدة. تقلّد ألتماير وزارة البيئة سابقاً، ويبلغ من العمر59 سنة، اشتهر بـ«دبلوماسية المطبخ». كما يلقب بـ«الحارس الشخصي لميركل» المدقق في تفاصيل السياسة والمتقبل لـ«للأفكار الخاصة بحماية البيئة»، فضلاً عن ينس شبان، ابن الـ 38 عاماً الذي دخل البرلمان عام 2002، عن الحزب المسيحي وتقلد مناصب في الحزب.

إذن هناك ثلاث سيدات ينافسن لبلوغ الهرم السياسي الألماني، بعد أن فتحت أمامهن ميركل الباب لتقلد منصب المستشارية.

 

 

 

 

 

 

 

* مدير تحرير «اليوم السابع» المصرية

 
Email