العراق وتغيير قواعد اللعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك في أن العراق اتخذ خطوات جريئة في محاربة الفساد، وفرض هيبة الدولة، بهدف التحكم في قراره السيادي، والنأي بنفسه عن الصراعات الخارجية، لكن التوغل الكبير للميليشيات الخارجة عن القانون في دواليب السلطة أدى إلى تباطؤ الإصلاحات، حيث يجد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صعوبة في تضييق الخناق على التنظيمات شبه العسكرية، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها مسؤولة عن إطلاق عشرات القذائف.

هذه الميليشيات تريد إيصال رسالة مباشرة لرئيس الوزراء والولايات المتحدة وهي أنها ما زال لديها الكثير لتفعله، وأنها لن تسكت عن أي محاولة لاستهدافها، حيث تعد الاعتداءات المتكررة للميليشيات بصواريخ الكاتيوشا على معسكرات التحالف الدولي، ومصالح الولايات المتحدة في العراق محاولة لخطف هذا البلد، وجعله إحدى أدوات الدول الإقليمية في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه هي الحقيقة، ويجب الانطلاق منها، للتحرك في مختلف الاتجاهات، والمستويات السياسية والمجتمعية، لدرء المخاطر المنذرة، وتفكيك أسبابها، بتعبئة كل الإمكانات السياسية والعسكرية والأمنية، لمواجهة الميليشيات، عبر تعزيز مؤسسات الدولة العراقية، وأجهزتها الأمنية والعسكرية، والسير في مسار يختلف عن الحكومات السابقة بتغيير قواعد اللعبة بمحاربة مشكلتي الفساد والميليشيات معاً، حيث يصعب تصور إمكانية إزالة واحدة من دون ارتدادها على الأخرى، واللجوء إلى مراقبة منافذ العراق الحدودية، التي تمثل بوابات للفساد وتمويل الميليشيات، وتعد البيئة المثالية لترعرع استراتيجية الإرهاب.

وجدير بالقول إن غياب محاسبة فعلية للميليشيات في العراق سيبقي على مساحة للعنف والتطرف، ويسهم في تطورها، وسيتيح على الأغلب تغلغل تنظيم داعش مجدداً في المستقبل، علماً بأن نجاح هذه الميليشيات في الحفاظ على وحدتها التنظيمية، وقدارتها التمويلية سوف يضمن لها مقومات الاستمرار في المستقبل والعكس، ما يستدعي معالجة سريعة للأزمة المستفحلة، لاستعادة عافية الوطن، ودرء الأخطار المحدقة به.

Email