زايد وراشد قدوتان لا يغيبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زال صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، يتواصل مع أبنائه وبناته من أبناء الوطن في هذا الشهر الفضيل من خلال ومضاته التي تتناسب مع الأجواء المباركة لشهر الخير والرحمة، حيث يحرص سموه على شحن الروح الأخلاقية وتجديد الإحساس بالقيم النبيلة العميقة الرسوخ في ثقافتنا من خلال هذه الومضات الرمضانية الثمينة، وها هو ينشر على حسابه في إنستغرام ومضة تبعث في النفس أعمق مشاعر الوفاء والتقدير لاثنين كانا هما وراء صناعة تاريخ هذا الوطن وإبرازه إلى الحياة كياناً قوياً متوحداً هما المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراهما، اللذان ضربا أروع الأمثلة في نكران الذات في سبيل بناء الوطن، وكانا بحقّ مدرسة أخلاقية في الإدارة والسلوك لكل من تشرّف بحمل الأمانة في مسيرة بناء الوطن، فجاءت هذه الومضة تكريماً لجهودهما العظيمة في البناء، وترسيخاً لثقافة الوفاء للرواد الأوائل الذين صبروا وصابروا ورابطوا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من العيش الكريم والأمان السابغ العميم بحمد الله وفضله وكرمه.

ولكي تكون هذه الومضة واضحة السياق يحسن بنا الرجوع قليلاً إلى قصيدة «سيرة المجد» التي ألقاها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بين يدي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، حيث يوضّح ذلك في المقطع الذي انتقل به إلى سرد علاقته الخاصة بالشيخ زايد والتنويه بعظيم فضله عليه بعد والده الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، فحين كان في مكة وغمرته لحظة خشوع انطلق لسانه بالدعاء لهذين الوالدين الكريمين فقال:

وفجأة انتبهت ومنادي الحق ناداني

                  ولبّيت داعي إلى ربي يناديني

وفي سجدتي راجيٍ عفوٍ وغفراني

                  دعيت لاثنين دايم حبّهم ديني

أبويه راشد الذي بالدين وصّاني

                  وأبويه زايد الذي فضله مغطّيني

فإذا تمّ استحضار هذا السياق السابق من القصيدة كان الكلام اللاحق الذي جاء في الومضة في غاية الوضوح والتأثير، حيث افتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومضته الرائعة بالتأكيد على أن قدوته الكبرى والإنسان الأغلى على قلبه هو سيّدنا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينطلق بعد ترسيخ هذه الحقيقة الجليلة للحديث عن الدروس العميقة التي تعلمها من قادة الوطن وفي طليعتهم الشيخان المَهيبان الحكيمان: زايد بن سلطان وراشد بن سعيد حيث يقول صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «أمّا قائدي واللي تعلمت منهم الكثير هو زايد وراشد طيب الله ثراهم» وهذه العبارة المكثفة نجد شرحها في كثير من المواقف بل والقصائد التي كتبها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد للتنويه بالدروس العميقة من دروس الحكمة والتجارب الحية التي استقاها عملياً من هؤلاء الرجال الكرام، وليس المقام متسعاً لسرد الكثير منها ولا سيما ما جاء منها في كتابه الكبير عن الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، والذي خصّه بأروع ما جادت به قريحته الشعرية تعبيراً عن حبه الصادق لهذا المعلم الكبير، وكذلك إشادته بحكمته وبُعد نظره وحرصه على جمع الصفوف واستعداده الدائم للإيثار لتكون تلك المواقف هي المُلهم الحقيقي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فيما يستقبل من قادمات الأيام حين يتحمل أعباء الحكم، وكذا القول في الدروس العميقة التي تعلمها من والده الحكيم الرشيد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، فحين نطالع ما كتبه عن هذا الوالد الجليل ولا سيما في سيرته الذاتية «قصتي: خمسون قصة في خمسين عاماً» نشعر بعُمق التأثير الذي تركه هذا الوالد الكبير في عقل بو راشد ووجدانه، وكيف تعلم منه مواجهة الصعاب، وركوب متن الريح للوصول إلى الأهداف مهما كانت في الظاهر مستحيلة وصعبة التحقق.

وتأكيداً على عمق هذه الدروس التي استقاها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد من هذه المناهل العذبة، يؤكد سموه أنّ مدرسة الحياة هي الأعمق تأثيراً في بناء الشخصية الإنسانية، فعلى الرغم من دراسته في المعاهد والكليات داخل الوطن وخارجه إلا أن الدروس الكبرى التي كان لها الدور الكبير في صقل شخصيته هي ما تلقاه عن رجال الحكمة في هذا الوطن وفي طليعتهم الشيخ زايد، رحمه الله، الذي ربّاه ودرّبه ووصّاه بالوطن خيراً، وبأبناء الوطن محبة وبِرّاً، فكان خير حافظ لهذه الوصية الثقيلة من فارس الحكمة وشيخ البناء والإعمار.

ثم كانت هذه الخاتمة الشعرية التي تُعمّق كل ما سبق من المعاني، وتشير إلى المكانة الفريدة للشيخ زايد في قلب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومدى تعلق القلب به، ويلحظ القارئ المتبصّر الرقة المتناهية في هذا المقطع حيث يفوح عطر الحب ونَشْرُ المحبة في وصف علاقته بالشيخ زايد: القائد والملهم والمعلم، والذي لا تفيه الكلمات حقّه مهما قيل فيه، فقد اجتمع في الشيخ زايد كل ما تفرّق في غيره من مناقب الرجال، رحمه الله، وتقبله في الصالحين:

وزايد وداده بنى في القلب بنياني

                   وزايد قصيدي وأبياتي وتلحيني

وزايد أبويه الذي ما ارضى معه ثاني

                   وزايد عيوني وشوفي لي يدلّيني

وزايد أخويهْ وصديقي وكل خلّاني

                   وزايد عضيدي وعزمي ومن يجدّيني

رحم الله الشيخ زايد وأسبغ عليه مواطر المغفرة، ورحم الله الشيخ راشد بن سعيد وأمطر قبره بشآبيب الرحمة، وأطال الله عمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد في الطاعة والعافية.

Email